للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البَنْجَ ونحوَه ممَّا يُزيلُ عَقْلَه، عالِمًا به، مُتَلاعِبًا، فحُكْمُه حُكْمُ السَّكرانِ فى طَلاقِه. وبهذا قال أصحابُ الشَّافعىِّ، وقال أصحابُ أبى حنيفةَ: لا يَقَعُ طلاقُه؛ لأنَّه لا يَلتذُّ بِشُرْبِها. ولَنا، أنَّه زالَ عقلُه بمَعْصِيَةٍ، فأشْبَهَ السَّكرانَ.

فصل: قال أحمدُ، فى المُغْمَى عليه إذا طلَّقَ، فلمَّا أفاقَ عَلِمَ أنَّه كان مُغْمًى عليه، وهو ذاكرٌ لذلك، فقال: إذا كان ذاكِرًا لذلك، فليس هو مُغْمًى عليه، يَجوزُ طلاقُه. وقال، فى روايةِ أبى طالبٍ، فى المجنونِ يُطَلِّقُ، فقيل له بعدَ ما أفاقَ: إنَّك طَلَّقْتَ امرأتُك. فقال: أنا أذكُرُ أنِّى طَلَّقْتُ، ولم يَكُنْ عقلى معى. فقال: إذا كان يَذكُرُ أنَّه طلَّقَ، فقد طَلُقَتْ. فلم يَجْعلْه مجنونًا إذا كان يذَكُرُ الطَّلاقَ، ويَعلمُ به. وهذا، واللَّهُ أعلمُ، فى مَن جُنونُه بِذَهابِ معرفتِه بالكُلِّيَّةِ، وبُطْلانِ حَواسِّه، فأمَّا مَن كان جنونُه لنشافٍ أو كان مُبَرْسَمًا، فإنَّه يَسقطُ حُكمُ تَصَرُّفِه، مع أَنَّ معرفتَه غيرُ ذاهبةٍ بالكُلِّيَّةِ، فلا يَضُرُّه ذكْرُه للطَّلاقِ، إن شاءَ اللَّه تعالى.

١٢٥٣ - مسألة؛ قال: (وَعَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِى السَّكْرَانِ رِوَايَاتٌ؛ رِوَايَةٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ. وَرِوَايَةٌ لَا يَقَعُ. وَرِوَايَةٌ يَتَوَقَّفُ عَنِ الْجَوَابِ، وَيَقُولُ: قَدِ اخْتَلَفَ فِيه أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-)

أمَّا التَّوقُّفُ عن الجوابِ، فليس بقولٍ فى المسألةِ، إنَّما هو تَرْكٌ للقَوْلَ فيها، وتَوقُّفٌ عنها، لتَعارُض الأدلَّةِ فيها، وإشكالِ دليلِها. ويَبقَى فى المسألةِ روايَتانِ؛ إحداهما، يَقَعُ طلاقُه. اخْتارَها أبو بكرٍ الْخَلَّالُ، والقاضى. وهو مذهبُ سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، وعَطاءٍ، ومُجاهدٍ، والحسنِ، وابنِ سِيرِينَ، والشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ، ومَيْمُونِ بنِ مِهْرَانَ، والحَكَمِ، ومالكٍ، والثَّوْرِىِّ، والأوْزَاعِىِّ، والشَّافعىِّ [فى أحدِ قولَيْه] (١) وابنِ شُبْرُمةَ، وأبى حنيفةَ، وصاحبَيْه، وسليمانَ بنِ حربٍ؛ لقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كُلُّ الطَّلَاقِ


(١) سقط من: الأصل، أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>