للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَاجَتِهم، وقال أيضًا: لا تُخْرَجُ صَدَقَةُ قَوْمٍ عنهم من بَلَدٍ إلى بَلَدٍ، إلَّا أن يكون فيها فَضلٌ عنهم؛ لأنَّ (١٠) الذي كان يَجِىءُ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأبي بكرٍ، وعمرَ من الصَّدَقَةِ، إنَّما كان عن فَضْلٍ منهم (١١)، يُعْطَوْنَ ما يَكْفِيهم، ويُخْرَجُ الفَضْلُ عنهم. ورَوَى أبو عُبَيْدٍ، في كِتَابِ "الأمْوَالِ" (١٢)، بإسْنَادِهِ عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ، أنَّ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ لم يَزَلْ بالجَنَدِ (١٣)، إذ بَعَثَه رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى مَاتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم قَدِمَ على عمرَ، فَرَدَّهُ على ما كان عليه، فبَعَثَ إليه مُعَاذٌ بِثُلُثِ صَدَقَةِ النَّاسِ، فأنْكَرَ ذلك عمرُ، وقال: لم أبْعَثْكَ جَابِيًا، ولا آخِذَ جِزْيَةٍ، لكن بَعَثْتُكَ لِتَأْخُذَ من أغْنِيَاءِ النَّاسِ، فتَرُدَّ (١٤) على فُقَرَائِهِم. فقال مُعاذٌ: ما بَعَثْتُ إليكَ بِشىءٍ وأنا أجِدُ أحَدًا يَأْخُذُه مِنِّي. فلمَّا كان العامُ الثَّانِي، بَعَثَ إليه بِشَطْرِ الصَّدَقَةِ، فتَرَاجَعَا بِمِثْلِ ذلك، فلمَّا كان العامُ الثَّالثُ بَعَثَ إليه بها كُلِّها، فرَاجَعَهُ عمرُ بمثلِ ما رَاجَعَهُ، فقال مُعَاذٌ: ما وَجَدْتُ أحَدًا يَأخُذُ مِنِّي شيئًا. وكذلك إذا كان بِبادِيَةٍ، ولم يَجِدْ من يَدْفَعُها إليه، فرَّقَها على فُقَرَاءِ أقْرَب البِلادِ إليه.

فصل: قال أحمدُ، في رِوَايَةِ محمدِ بن الحَكَمِ: إذا كان الرَّجُلُ في بَلَدٍ، ومالُه في بَلَدٍ، فأحَبُّ إلَيَّ أن تُؤَدَّى حيثُ كان المالُ، فإن كان بَعْضُهُ حيثُ هو، وبَعْضُه في مِصْرٍ، يُؤَدِّي زَكَاةَ كُلِّ مَالٍ حيثُ هو. فإن كان غَائِبًا عن مِصْرِهِ وأَهْلِه، والمالُ معه، فأَسْهَلُ أن يُعْطِىَ بَعْضَه في هذا البَلَدِ، وبَعْضَه في البَلَدِ الآخَرِ. فأمَّا إذا كان المالُ في البَلَدِ الذي هو فيه حتى يَمْكُثَ فيه حَوْلًا تَامًّا، فلا يَبْعَثُ بِزَكَاتِه إلى بَلَدٍ


(١٠) في الأصل، ب: "لكن".
(١١) في أ، م: "عنهم".
(١٢) تقدم في صفحة ١٣٢.
(١٣) الجند: مدينة كبيرة باليمن تتبعها مخاليف، وبين الجند وصنعاء ثمانية وخمسون فرسخا. معجم البلدان ٢/ ١٢٧.
(١٤) في أ، ب: "فتردها".

<<  <  ج: ص:  >  >>