للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأنَّها فُرْقَةٌ لرَفْعِ الضَّرَرِ، فكان بائنًا، كفُرقةِ العُنَّةِ، ولِأنَّها لو كانتْ رَجْعِيَّةً، لم ينْدَفعِ الضَّرَرُ؛ لِأنَّه يرْتجعُها، فيَبْقَى الضَّرَرُ. وقال أبو حَنِيفَةَ: يقع الطَّلاقُ بانْقضاءِ العِدَّةِ بائنًا. ووَجْهُ الأوَّلِ؛ أنَّه طلاقٌ صادَفَ مَدْخولًا بها مِن غيرِ عِوَضٍ، ولا اسْتيفاءِ عَدَدٍ، فكانَ رَجْعِيًا، كالطَّلاقِ فى غيرِ الإِيلاءِ. ويُفارِقُ فُرْقة العُنَّةِ؛ لِأنَّها فَسْخٌ لعَيْبٍ، وهذه طَلْقَةٌ، ولِأنَّه لو أُبِيحَ له ارْتجاعُها، لم ينْدَفِعْ عنها الضَّرَرُ، وهذه يَنْدَفِعُ عنها الضَّرَرُ؛ فإنَّه إذا ارْتجعَها، ضُرِبَتْ له مُدَّةٌ أُخْرَى، ولِأنَّ العِنِّينَ قد يُئِسَ من وَطْئِه، فلا فائدةَ فى رَجْعَتِه، وهذا غيرُ عاجزٍ، ورَجْعَتُه دليلٌ على رَغْبتِه وإقلاعِه عن الإِضْرارِ بها، فافْتَرَقا. واللَّهُ تعالى أعلمُ.

١٣٠٤ - مسألة؛ قال: (فَإِنْ طَلَّقَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَهِىَ ثَلَاثٌ)

وجملةُ الأمرِ أَنَّ المُولِىَ إذا امْتنَعَ مِن الفَيْئَةِ والطَّلاقِ معًا (١)، وقامَ الحاكِمُ مَقامَه، فإنَّه يَمْلِكُ من الطَّلاقِ ما يَملِكُه المُولِى، وإليه الخِيَرَةُ فِيهِ، إنْ شاءَ طلَّقَ واحِدةً، وإِنْ شاءَ اثنتَيْنِ، وإن شاءَ ثَلاثًا، وإِنْ شاءَ فَسَخَ. قال القاضى: هذا ظاهرُ كلامِ أحمدَ. وقال الشَّافِعِىُّ: ليس له إلَّا واحدةٌ؛ لِأنَّ إيفاءَ الحقِّ يَحْصُلُ بها، فلم يَملكْ زيادةً عليها, كما لم يَمْلِكِ الزيادةَ على وَفاءِ الدَّيْنِ فى حقِّ المُمْتنِعِ. ولَنا، أَنَّ الحاكمَ قائمٌ مَقامَه، فملَكَ من الطَّلاقِ ما يَمْلِكُه، كما لو وَكَّلَه فى ذلك. وليس ذلك زيادةً على حقِّها؛ فإنَّ حقَّها الفُرقَةُ، غيرَ أنَّها تَتَنَوَّعُ، وقد يَرَى الحاكمُ المصْلحةَ فى تَحْريمِها عليه، ومَنْعِه رَجْعَتَها؛ لِعِلْمِه بِسُوءِ قَصْدِه، وحُصولِ المصْلَحَةِ بِبُعْدِه (٢). قال أبو عبدِ اللَّهِ: إذا قال: فرَّقْتُ بينَكما (٣). فإنَّما هو فَسْخٌ. وإذا قال: طَلَّقْتُ واحِدَةً. فهى واحدةٌ. وإذا قال: ثلاثًا. فهى ثلاثٌ.


(١) سقط من: الأصل.
(٢) فى م: "بعده".
(٣) فى م: "بينكم".

<<  <  ج: ص:  >  >>