للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنُ حَامِدٍ: رأيْتُ بعضَ أصحابِنَا يقولُ: لو تَرَكَ واوًا أوْ حَرْفًا أعادَ الصَّلَاة؛ لقولِ الأسْوَدِ: فَكُنَّا نَتَحَفَّظُهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ كَمَا نَتَحَفَّظُ حُرُوفَ القُرْآنِ. والأَوَّلُ أصَحُّ؛ لما ذَكَرْنَا، وقولُ الأسْودِ يَدُلُّ على أنَّ الأوْلَى والأحْسنَ الإِتْيَانُ بِلَفْظِهِ وحُرُوفِه، وهو الذي ذَكَرْنَا أنَّه المُخْتَارُ، وعلى (٨) أنَّ عبدَ اللهِ كان يُرَخِّصُ في إبْدَالِ لَفْظاتٍ من القُرْآنِ، فالتَّشَهُّدُ أوْلَى، فقد رُوِىَ عنه أنَّ إنْسَانًا كان يَقْرَأُ عليه: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعَامُ الْأَثِيمِ} (٩). فَيَقُولُ: طَعَام اليَثِيمِ (١٠). فقالَ لهُ عبدُ اللهِ: قُلْ طَعَام الفَاجِرِ. فأما ما اجْتَمَعَتْ عليهِ التَّشَهُّدَاتُ كُلُّها فَيَتَعَيَّنُ الإِتْيَانُ به، وهذا مذهبُ الشَّافعىِّ.

فصل: ولا تُسْتَحَبُّ الزِّيادَةُ على هذا التَّشَهُّدِ، ولا تَطْوِيلُه، وبهذا قال النَّخَعِىُّ، والثَّوْرِىُّ، وإسحاقُ. وعنِ الشَّعْبِىِّ أنه لم يَرَ بأسًا أن يُصَلِّىَ علَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فيه. وكذلك قال الشافعيُّ؛ وعن عمرَ، أنَّهُ كانَ إذا تَشَهَّدَ قالَ: بِسْمِ اللهِ خَيْرِ الأَسْمَاءِ. وعن ابْنِ عمرَ، أنَّه كانَ يُسَمِّى في أوَّلِهِ، وقالَ، زِدْتُ فِيهِ: وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وأباحَ الدُّعاءَ فيه بما بَدَا لَهُ. وقال أيُّوبُ، ويحيى بنُ سعيدٍ، وهشامٌ بِقَوْلِ عمرَ في التَّسْمِيَةِ، وقد رَوَى جابرٌ قال، كانَ رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كما يُعَلِّمُنَا السورة مِن القُرْآنِ: "بِسْمِ اللهِ، التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ". وذَكَرَ التَّشَهُّدَ كتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ "أَسأَلُ اللهَ الجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ"، رَوَاهُ النَّسَائِىُّ وَابنُ ماجَه (١١). وقال مالكٌ: ذلكَ واسِعٌ. وسَمِعَ ابْنُ عباسٍ رَجُلًا يَقُولُ: "بِسْمِ اللهِ". فانْتَهَرَهُ. وبهِ قالَ مالكٌ، وأهلُ المدينَةِ، وابنُ المُنْذِرِ، وَالشَّافعىُّ. وهو الصحيحُ؛ لِما رَوَى ابنُ مسعودٍ، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَ يَجْلِسُ في الرَّكْعَتَيْنِ


(٨) سقطت الواو من: م.
(٩) سورة الدخان ٤٣، ٤٤.
(١٠) في م: "اليتيم". ومثله في الدر المنثور ٦/ ٣٢. وما هنا أقرب إلى حكاية نطق الرجل، لأنه لا يستطيع تحقيق الهمزة.
(١١) أخرجه النسائي، في: باب نوع آخر من التشهد، من كتابى التطبيق والسهو. المجتبى ٢/ ١٩٤، ٣/ ٣٧. وابن ماجه، في: باب ما جاء في التشهد، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه ١/ ٢٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>