للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ الكتابةَ مَوضعُ أمانةٍ. ويُسْتحَبُّ أن يكونَ فَقيهًا، ليَعرفَ مَواقعَ الألْفاظِ التى تتعلقُ بها الأحْكامُ، ويُفرِّقَ بينَ الجائزِ والواجبِ، وينْبَغِى أن يكونَ وافرَ العقلِ، وَرِعًا، نَزِهًا؛ لئلَّا يُسْتَمالَ بالطَّمعِ، ويكونَ مسلمًا؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} (١). ويُرْوَى أنَّ أبا موسى قدِمَ على عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، ومعه كاتبٌ نَصْرانِيٌّ، فأحْضرَ أبو موسى شيئًا من مَكْتوباتِه عندَ عمرَ، فاسْتحسنَه، وقال: قُلْ لكاتبِك يَجِىءُ، فيقْرَأُ كتابَه. قال: إنَّه لا يَدْخُلُ المسجدَ. قال: ولِمَ؟ . قال: إنَّه نَصْرانيٌّ. فانْتهرَه عمرُ، وقال: لا تَأتمِنُوهم وقد خَوَّنَهم اللهُ تعالى، ولا تُقرِّبوهم وقد أبعدَهم اللهُ تعالى، ولا تُعِزُّوهم وقد أذَلَّهم اللهُ تعالى (٢). ولأنَّ الإِسلامَ مِن شُروطِ (٣) العدالةِ، والعدالةُ شَرْطٌ. وقال أصْحابُ الشافعيِّ: في اشْترِاطِ عَدالتِه وإسلامِه وَجْهان؛ أحدهما، تُشْتَرَطُ؛ لما ذكرْنا. والثاني، لا تُشْتَرطُ؛ لأنَّ ما يكْتبُه لابُدَّ من وُقوفِ القاضى عليه، فتُؤْمَنُ الخيانةُ فيه. ويُسْتحَبُّ أن يكونَ جَيِّدَ الخَطِّ؛ لأنَّه أكْملُ. وأن يكونَ حُرًّا؛ ليخْرُجَ (٤) من الخلافِ. وإن كان عبدًا، جازَ؛ لأنَّ شهادةَ العبدِ جائزةٌ. ويكونُ القاسِمُ على الصِّفةِ التى ذكرْنا في الكاتبِ، ولابُدَّ من كونِه حاسبًا؛ لأنَّه عَمَلُه، وبه يَقْسِمُ، فهو كالخَطِّ للكاتبِ والفقْهِ للحاكمِ. ويُسْتحَبُّ للحاكمِ أن يُجْلِسَ كاتبَه بين يديْه؛ ليُشاهِدَ ما يَكْتبُه، ويُشافهَه بما يُمْلِى عليه، وإن جلَس (٥) ناحيةً، جازَ؛ لأنَّ المقْصودَ يحْصُلُ، فإنَّ ما يَكتبُه يُعْرَضُ على الحاكمِ، فيَسْتَبْرِئُه.

فصل: وإذا ترافعَ (٦) إلى الحاكمِ خَصمان، فأقرَّ أحدُهما لصاحبه، فقال المُقَرُّ له للحاكمِ: أشْهِدْ لى على إقْرارِه شاهِدَيْن. لَزِمَه ذلك؛ لأنَّ الحاكمَ لا يحكمُ بعِلْمِه، فربَّما جحَدَ المُقِرُّ، فلا يُمْكنُه الحكمُ عليه بعِلْمِه (٧)، ولو كانَ يحكمُ بعِلْمِه احْتَمَلَ أن يَنْسَى،


(١) سورة آل عمران ١١٨.
(٢) تقدم تخريجه، في: ١٣/ ٢٤٦.
(٣) في الأصل: "شرط".
(٤) في الأصل، م: "يخرج".
(٥) في ب، م: "قعد".
(٦) في ب: "رفع".
(٧) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>