للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنَّ الإِنسانَ عُرْضةُ النِّسيانِ، فلا يُمْكِنُه الحكمُ بإقْرارِه. وإن ثبَتَ عندَه حقٌّ بنُكُولِ المُدَّعَى عليه، أو بيَمِينِ المُدَّعِى بعدَ النُّكولِ، فسألَه المُدَّعِى أن يُشْهِدَ على نفسِه، لزِمَه؛ لأنَّه لا حُجَّةَ للمُدَّعِى سِوَى الإِشْهادِ، وإن ثبتَتْ عندَه بَيِّنَةٌ فسألَه الإِشْهادَ، ففيه وَجْهان؛ أحدهما، لا يَلْزَمُه؛ لأنَّ بالحقِّ بَيِّنَةً، فلا يجبُ جَعْلُ بَيِّنَةٍ أُخْرَى. والثاني، يجِبُ؛ لأنَّ في الإِشْهادِ (٨) فائدةً جديدةً، وهى إثْباتُ تَعْدِيلِ بيِّنَتِه، وإلزامُ خَصْمِه. وإن حلفَ المُنْكِرُ، وسألَ الحاكمَ الإِشهادَ على بَراءَتِه، لَزِمَه؛ ليكونَ حُجَّةً له في سُقوطِ المُطالَبةِ مَرَّةً أُخْرَى، وفي جميعِ ذلك، إذا سألَه أنْ يَكْتُبَ له مَحْضرًا بما جَرَى، ففيه وَجْهان؛ أحدُهما، يَلْزَمُه ذلك؛ لأنَّه وَثِيقةٌ له، فهو كالإِشْهادِ؛ لأنَّ الشاهِدَيْنِ رُبَّما نَسِيَا الشَّهادةَ، أو نَسِيَا الخَصْمَينِ، فلا يُذَكِّرُهما إلَّا رُؤْيَةُ (٩) خَطَّيْهِما. والثاني، لا يَلْزَمُه؛ لأنَّ الإِشْهادَ يَكْفِيه. والأوَّلُ أصحُّ؛ لأنَّ الشُّهودَ تكثرُ عليهم (١٠) الشَّهاداتُ، ويَطُولُ عليهمُ الأمَدُ، والظَّاهرُ أنَّهما لا يَتحقَّقان الشَّهادةَ تَحقُّقًا يحْصُلُ به أداؤُها، فلا يتَقيَّدُ إلَّا بالكتابِ. فإن اخْتارَ أن يَكْتُبَ له مَحْضرًا، فصفتُه: حضرَ القاضى فُلانُ بنُ فلانٍ الفُلانيُّ، قاضى عبدِ اللهِ الإِمامِ فلانٍ، على كذا وكذا. وإن كان خليفةَ القاضى قال: خليفةُ القاضى فلانِ بنِ فلانٍ الفُلانيِّ (١١)، قاضى الإِمامِ بمَجْلِسِ حُكْمِه وقَضائِه. فإن كان يَعْرِفُ المُدَّعِى والمُدَّعَى عليه بأسْمائهما وأنْسابِهما، قال: فلانُ بنُ فلانٍ الفلانيُّ، وأحْضَرَ معه فلانَ بنَ فلانٍ الفُلانيَّ. ويرْفَعُ في نَسَبِهما حتى يَتميَّزَا (١٢). ويُسْتحَبُّ ذِكْرُ حِلْيَتِهما، وإن أخَلَّ به، جازَ؛ لأنَّ ذِكْرَ نَسَبِهما إذا رَفعَ فيه أغْنَى عن ذِكْرِ الحِلْيَةِ. وإن كان الحاكمُ لا يعْرِفُ الخَصْمَيْن، قال: مُدَّعٍ ذكَرَ أنَّه فلانُ بنُ فلانٍ الفُلانيُّ، وأحضرَ معه مُدَّعًى عليه ذكرَ أنَّه فلانُ بنُ فُلانٍ الفُلانيُّ. ويَرْفَعُ في نَسَبِهما، ويذْكرُ حِلْيتَهما؛ لأنَّ الاعْتمادَ عليها، فربَّما اسْتعارَ النَّسَبَ. ويقول: أغَمُّ، أو أنْزَعُ. ويذْكرُ صِفةَ العَيْنيْن والأنْفِ والْفَمِ والحاجِبَيْنِ، واللونَ والطولَ والقِصرَ. ما ادَّعَى عليه كذا وكذا، فأقرَّ له. ولا


(٨) في الأصل: "الشهادة".
(٩) في ب، م: "ذوى".
(١٠) في م: "عليهما".
(١١) في ب، م زيادة: "عبد اللَّه".
(١٢) في م: "يتميز".

<<  <  ج: ص:  >  >>