للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُطِئَتْ في الدُّبُرِ، دخَلَتْ في عُمومِ الآيةِ. ووَطْءُ البَهيمة إن قُلْنا بوُجوبِ الحَدِّ به (٥٥)، لم يَثْبُتْ إلَّا بشُهودٍ أرْبعةٍ، وإن قُلْنا: لا يُوجِبُ إلَّا التَّعْزِيرَ. ففيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، يثْبُتُ بشاهدَيْنِ؛ لأنَّه لا يُوجِبُ الحَدَّ، فيثبتُ بشاهِدَيْن، كسائرِ الحقوقِ. والثانى، لا يثبتُ إلَّا (٥٥) بأربعةٍ. وهو قولُ القاضِى؛ لأنَّه فاحِشةٌ، ولأنَّه إيلاجٌ في فَرْجٍ مُحَرَّمٍ، فأشْبَهَ الزِّنَى. وعلى قياسِ هذا، كُلُّ وَطْءٍ لا يُوجِبُ الحَدَّ ويُوجِبُ التَّعْزِيرَ، كوَطْءِ الأَمَةِ المُشْترَكَةِ، وأَمَتِه المُزَوَّجَةِ، فإن لم يكُنْ وَطْئًا كالمُباشرةِ دونَ الفَرْجِ ونحوِها، ثبَتَ بشاهِدَيْنِ، وجهًا واحدًا؛ لأنَّه ليس بوَطْءٍ، فأشْبَهَ سائرَ الحُقوقِ.

فصل: ولا يُقِيمُ الإِمامُ الحَدَّ بعِلْمِه. رُوِىَ ذلك عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِىَ اللهُ عنه. وبه قال مالِكٌ، وأصْحابُ الرَّأىِ. وهو أحدُ قولَى الشَّافِعِي. وقال، في الآخَرِ: له إقامتُه بعِلْمِه. وهو قولُ أبي ثَوْرٍ؛ لأنَّه إذا جازَتْ له إقامتُه بالبَيِّنَةِ والاعْترافِ الذي لا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ، فيما يُفيدُ العلمَ أوْلَى. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ}. وقال تعالى: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}. وقال عمرُ: أو كان الحَبَلُ أو الاعْترافُ (٥٦). ولأنَّه لا يجوزُ له أن يتكلَّمَ به، ولو رَماه بما عَلِمَه منه لكان قاذِفًا، يلْزَمُه حَدُّ القَذْفِ، فلم تَجُزْ إقامَةُ الحَدِّ به، كقولِ غيرِه، ولأنَّه إذا حَرُمَ النُّطْقُ به، فالعملُ به أَوْلَى. فأمَّا السَّيِّدُ إذا عَلِمَ من عبدِه أو جارِيَتِه ما يُوجِبُ الحَدَّ عليه، فهل له إقامتُه عليه؟ فيه وَجْهان؛ أحدُهما، لا يَمْلِكُ إقامتَه عليه؛ لما ذكرْنَاهُ في الإِمامِ، ولأنَّ الإِمامَ إذا لم يملِكْ إقامتَه بِعِلْمِه، مع قُوَّةِ وِلَاِيَتِه، والاتِّفاقِ على تَفْويضِ الحَدِّ إليه، فغيرُه أوْلَى. والثانى، يَمْلِكُ ذلك؛ لأنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ تأْدِيبَ عبدِه بِعِلْمِه، وهذا يَجْرِى مَجْرَى التَّأْديبِ، ولأنَّ السَّيِّدَ أَخَصُّ بعَبْدِه، وأتمُّ وِلايَةً عليه، وأشْفَقُ من الإِمامِ على سائرِ الناسِ.


(٥٥) سقط من: م.
(٥٦) تقدم تخريجه، في: ١١/ ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>