للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّدْبِيرُ والوَصِيَّةُ بالعِتْقِ، تَساوَيا؛ لأنَّهما جميعًا عِتْقٌ بعدَ المَوْتِ. ويَحْتَمِلُ أن يُقَدَّمَ التَّدْبِيرُ؛ لأنَّ الحُرِّيَّةَ تقَعُ فيه عندَ المَوْتِ، والوَصِيَّةُ تَقِفُ على الإِعْتاقِ بعدَه.

فصل: ويجوزُ التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا ومُقَيَّدًا، فالمُطْلَقُ تَعْلِيقُ العِتْقِ بالمَوْتِ من غيرِ شَرْطٍ آخَرَ، كقولِه: أنتَ حُرٌّ بعدَ مَوْتِى. والمُقَيَّدُ ضَرْبانِ؛ أحدُهما، خاصٌّ، نحو أن يقولَ: إن مِتُّ من مَرَضِى هذا، أو سَفرِى هذا، أو فى بَلَدِى هذا، أو عامِى هذا، فأنتَ حُرٌّ. فهذا جائزٌ على ما قال، إن مات على الصِّفَةِ التى شَرَطَها عَتَقَ العبدُ، وإلَّا لم يَعْتِقْ. وقال مُهَنَّا: سألتُ أحمدَ عن مَن قال لعبدِه: أنتَ (٦) مُدَبَّرٌ اليومَ؟ قال: يكون مُدَبَّرًا ذلك اليومَ، فإِن مات ذلك اليومَ، صار حُرًّا. يعنى إذا مات المَوْلَى. والضربُ الثانى، أن يُعَلِّقَ التَّدْبِيرَ على صِفَةٍ، مثل أن يقولَ: إن دخَلْتَ الدارَ، أو إن قَدِمَ زيدٌ، أو إن شَفَى اللَّهُ مَرِيضِى، فأنتَ (٦) مُدَبَّرٌ، أو فأنتَ حُرٌّ بعدَ مَوْتِى. فهذا لا يَصِيرُ مُدَبَّرًا فى الحالِ؛ لأَنَّه عَلَّقَ التَّدْبِيرَ على شَرْطٍ، فإذا وُجِدَ، صار مُدَبَّرًا، وعَتَقَ بمَوْتِ سَيِّدِه، وإن لم يُوجَدِ الشَّرْطُ فى حياةِ السَّيِّدِ، وَوُجدَ بعدَ مَوْتِه، لم يَعْتِقْ؛ لأنَّ إطْلاقَ الشَّرْطِ (٧) يَقْتَضِى وُجُودَه فى الحياةِ، بدليلِ ما لو (٨) عَلَّقَ عليه عِتْقًا مُنْجَزًا، فقال: إذا دخلْتَ الدَّارَ، فأنتَ حُرٌّ. فدَخَلَها بعدَ مَوْتِه، لم يَعْتِقْ، وكما (٩) لو قال لوَكِيلهِ: بعْ عَبْدِى. فمات المُوَكِّلُ قبلَ بَيْعِه، بَطَلَتْ وَكالَتُه. ولأنَّ المُدَبَّرَ مَن عُلِّقَ عِتْقُه بالموتِ، وهذا قبلَ المَوْتِ لم يكُنْ مُدَبَّرًا، وبعدَ الموتِ لا يُمْكِنُ حُدوثُ التَّدْبِيرِ. وإن قال: إن دخلْتَ الدَّارَ بعدَ مَوْتِى، فأنتَ حُرٌّ. فذَكَرَ أبو الخَطَّابِ فيها رِوَايتَيْنِ؛ إحْداهما، لا يَعْتِقُ. وهو قياسُ المَنْصوصِ عنه، فى قولِه: أنتَ حُرٌّ بعدَ موتِى بيَوْءم أو شهير. فإنَّه قال: لا يَعْتِقُ؛ لأَنَّه عَلَّقَ العِتْقَ بصِفَةٍ تُوجَدُ فى مِلْكِ غيرِه، فلم يَعْتِقْ، كما لو قال: إِنْ دخلْتَ الدَّارَ بعدَ بَيْعِى إيَّاكَ، فأنتَ حُرٌّ. ولأنَّه إعْتاقٌ له بعدَ قَرارِ مِلْكِ غيرِه عليه، [فلم يَعْتِقْ] (١٠)، كالمُنْجَزِ. والثانيةُ، يَعْتِقْ. وهو


(٦) فى م زيادة: "حر".
(٧) فى ب، م زيادة: "فى حياة السيد".
(٨) فى م زيادة: "لم".
(٩) فى الأصل: "كما".
(١٠) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>