للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَتِه إلى انْقِضَاءِ مُدَّتِه، كما لو زَوَّجَ أَمَتَهُ ثم بَاعَها. وإن لم يَعْلَم المُشْتَرِى بذلك، فله الفَسْخُ؛ لأنَّه عَيْبٌ. وإن أَعْتَقَ العَبْدَ فى أثْنَاءِ المُدَّةِ، نَفَذَ عِتْقُه؛ لأنَّه مَمْلُوكُه يَصِحُّ بَيْعُه، فصَحَّ عِتْقُه لغيرِه، ولِلْمُصَالِحِ أن يَسْتَوْفِىَ نَفْعَهُ فى المُدَّةِ؛ لأنَّه أعْتَقَهُ بعدَ أن مَلَّكَ مَنْفَعَتَهُ لغيرِه، فأشْبَهَ ما لو أعْتَقَ الأمَةَ المُزَوَّجَةَ لِحُرٍّ. ولا يَرْجِعُ العَبْدُ على سَيِّدِه بشىءٍ؛ لأنَّه ما زَالَ مِلْكُه بالعَتْقِ إلَّا عن الرَّقَبَةِ، والمَنَافِعُ حِينَئِذٍ مَمْلُوكَةٌ لغيرِه، فلم تَتْلَفْ مَنَافِعُه بالعَتْقِ، فلم يَرْجِعْ بشىءٍ، وإن أعْتَقَهُ مَسْلُوبَ المَنْفَعَةِ، فلم يَرْجِعْ بشىءٍ، كما لو أعْتَقَ زَمِنًا أو مَقْطُوعَ اليَدَيْنِ، أو أعْتَقَ أمَةً مُزَوَّجَةً، وذَكَرَ القاضى وابنُ عَقِيلٍ وَجْهًا آخَرَ، أنَّه يَرْجِعُ على سَيِّده بأَجْرِ مثله. وهو قولُ الشَّافِعِىِّ؛ لأَنَّ العِتْقَ اقْتَضَى إزَالَةَ مِلْكِه عن الرَّقَبَةِ والمَنْفَعَةِ جَمِيعًا، فلمَّا لم تَحْصُلِ المَنْفَعَةُ لِلْعَبْدِ هاهُنا، فكأنَّه حَالَ بينَه وبينَ مَنْفَعَتِه. ولَنا، أنَّ إِعْتَاقَهُ لم يُصَادِفْ لِلْمُعْتقِ سِوَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ، فلم يُؤَثِّرْ إلَّا فيه، كما لو وَصَّى لِرَجُلٍ بِرَقَبَةِ عَبْدٍ (٢١) ولآخَرَ بِنَفْعِه، فأَعْتَقَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ، وكما لو أعْتَقَ أَمَةً مُزَوَّجَةً. وقولُهم: إنَّه اقْتَضَى زَوَالَ المِلْكِ عن المَنْفَعَةِ. قُلْنا: إنَّما يَقْتَضِى ذلك إذا كانت مَمْلُوكَةً له (٢٢)، أمَّا إذا كانت مَمْلُوكَةً لغيرِه فلا يَقْتَضِى إعْتَاقهُ إزَالَةَ ما ليس بمَوْجُودٍ، وإن تَبَيَّنَ أن العَبْدَ مُسْتَحَقٌّ، تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الصُّلْحِ لِفَسَادِ العِوَضِ، ورَجَعَ المُدَّعِى فيما أَقَرَّ له به. وإن وَجَدَ العَبْدَ مَعِيبًا عَيْبًا تَنْقُصُ به المَنْفَعَةُ، فله رَدُّه وفَسْخُ الصُّلْحِ. وإن صَالَحَ على العَبْدِ بِعَيْنِه، صَحَّ الصُّلْحُ، ويكونُ بَيْعًا. والحُكْمُ فيما إذا خَرَجَ مُسْتَحَقًّا أو ظهَرَ به عَيْبٌ، كما ذكَرْنَا.

فصل: إذا ادَّعَى زَرْعًا فى يَدِ رَجُلٍ، فأقَرَّ له به، ثم صَالَحَهُ منه على دَرَاهِمَ، جَازَ على الوَجْهِ الذي يجُوزُ به بَيْعُ الزَّرْعِ. وقد ذَكَرْنَا ذلك فى البَيْعِ. وإن كان الزَّرْعُ فى يَدِ رَجُلَيْنِ، فأقَرَّ له أحَدُهما بِنِصْفِه، ثم صَالَحَهُ عليه قبلَ اشْتِدَادِ حَبِّه، لم يَجُزْ؛ لأنَّه إن صَالَحَهُ عليه بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ، أو من غيرِ شَرْطِ القَطْعِ، لم يَجُزْ؛ لأنَّه لا يجوزُ بَيْعُه كذلك. وإن شَرَطَ القَطْعَ لم يَجُزْ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُه قَطْعُه إلَّا بِقَطْعِ زَرْعِ الآخَرِ. ولو كان


(٢١) فى ب: "عبده".
(٢٢) سقط من: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>