للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأماناتِ. فإنْ نَوَى يَمِينًا كانتْ (٩) يَمِينًا، وإلَّا فلا. وقد ذَكَرْنا فى الأَمانةِ رِوايَتَيْن، فيُخَرَّجُ فى سائِرِ ما ذَكَرُوه وَجْهان، قِياسًا عليها.

فصل: ويُكْرَهُ الحَلِفُ بالأمانةِ؛ لما رُوِىَ عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أَنَّه قال: "مَن حَلَفَ بِالأَمانَةِ، فَلَيْسَ مِنَّا". روَاه أبو داود (١٠). ورُوِىَ عن زيادِ بن حُدَيْرٍ: أَنَّ رجُلًا حَلَفَ عندَه بالأَمانَةِ، فجعلَ يَبْكِى بُكاءً شديدًا، فقال له الرجلُ: هل كان هذا يُكْرَهُ؟ قال: نعم، كان عمرُ يَنْهَى عن الحَلِفِ بالأَمانَةِ أَشَدَّ النَّهْى.

فصل: ولا تَنْعَقِدُ اليَمِينُ بالحَلِفِ بمَخْلوقٍ؛ كالكعبةِ، والأنْبياءِ، وسائرِ المخلوقاتِ، ولا تَجِبُ الكَفَّارَةُ بالحِنْثِ فيها. هذا ظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ. وقولُ (١١) أكثرِ الفُقهاءِ. وقال أصحابُنا: الحَلِفُ برسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَمِينٌ مُوجِبَة للكَفَّارَةِ. ورُوِىَ عن أحمدَ أنَّه قال: إذا حَلَفَ بحَقِّ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فحَنِثَ، فعليه الكَفَّارَةُ. قال أصحابُنا: لأنَّه أحدُ شَرْطَى الشَّهادَةِ، فالحَلِفُ به مُوجِبٌ للكَفَّارَةِ، كالحَلِفِ باسْمِ اللَّه تعالى. وَوَجْه الأَوّلِ، قَوْلُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ حَالِفًا، فلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، أو ليَصْمُتْ" (١٢). ولأنَّه حلِفٌ بغيرِ اللَّهِ، فلم يُوجِب الكفَّارَةَ، كسائرِ الأَنبياءِ، ولأنَّه مخلوقٌ، فلم تجِب الكَفَّارَةُ بالحَلِفِ به (١٣)، كإبراهيمَ عليه السلام، ولأَنَّه ليس بمَنْصُوصٍ عليه، ولا فى مَعْنَى المَنْصُوصِ، ولا يصِحُّ قياسُ اسمِ غيرِ اللَّهِ على اسْمِه؛ لعَدَمِ الشَّبَهِ، وانْتِفاءِ المُماثَلَةِ. وكلامُ أحمد فى هذا يُحْمَلُ على الاسْتِحْبابِ دونَ الإِيجابِ.

١٧٩١ - مسألة؛ قال: (وَلَوْ حَلَفَ بِهذِهِ الْأَشْياءِ كُلِّها عَلَى شَىْءٍ وَاحِدٍ، فحَنِثَ، فَعَلَيْه كَفَّارَةٌ وَاحِدةٌ)

وجُمْلَتُه أنَّه إذا حَلَفَ بجميعِ هذه الأشياءِ التى ذَكَرَها الخِرَقِىُّ، وما يقومُ مَقامَها، أو


(٩) فى م: "كان".
(١٠) فى: باب فى كراهية الحلف بالأمانة، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود ٢/ ١٩٩.
كما أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند ٥/ ٣٥٢.
(١١) فى م: "وهو قول".
(١٢) تقدم تخريجه، فى: ١١/ ٦. عند تخريج قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم".
(١٣) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>