للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما ذَكَرَتْ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا، فمن أين يُسْتَدَلُّ به على طَوَافَيْنِ؟ وأيضا فإنَّها لمَّا حَاضَتْ، فقَرَنَتِ (٨) الحَجَّ إلى العُمْرَةِ، بأمْرِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولم تَكُنْ طَافَتْ لِلْقُدُومِ [لم تَطُفْ للقُدومِ] (٩)، ولا أمَرَها به النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد ذَكَرَ الْخِرَقِيُّ في مَوْضِعٍ آخَرَ، في المَرْأَةِ إذا حَاضَتْ فَخَشِيَتْ فَوَاتَ الحَجِّ، أهَلَّتْ بِالحَجِّ، وكانت قَارِنَةً، ولم يكن عليها قَضاءُ طَوافِ القُدُومِ. [ولأنَّ طَوافَ القُدُومِ] (١٠) لو لم يَسْقُطْ بِالطَّوَافِ الوَاجِبِ، لَشُرِعَ في حَقِّ المُعْتَمِرِ طَوَافٌ لِلْقُدُومِ مع طَوَافِ العُمْرَةِ، لأنَّه أَوَّلُ قُدُومِه إلى البَيْتِ، فهو به أوْلَى من المُتَمَتِّعِ، الذى يَعُودُ إلى البَيْتِ بعد رُؤْيَتِه وطَوَافِه به. وفي الجُمْلَةِ إنَّ هذا الطَّوافَ المُخْتَلَفَ فيه ليس بِوَاجِبٍ، وإنَّما الوَاجِبُ طَوَافٌ وَاحِدٌ، وهو طَوافُ الزِّيارَةِ، وهو في حَقِّ المُتَمَتِّعِ كهو في حق القَارِنِ والمُفْرِدِ، في أنَّه رُكْنُ الحَجِّ، لا يَتِمُّ إلَّا به، ولا بُدَّ من تَعْيِينِه بالنِّيَّةِ (١١)، فلو نَوَى به طَوافَ الوَداعِ أو غيرَه، لم يُجْزِهِ.

فصل: والأطْوِفَةُ المَشْرُوعَةُ في الحَجِّ ثلاثةٌ: طَوَافُ الزِّيَارَةِ، وهو رُكْنُ الحَجِّ، لا يَتِمُّ إلَّا به، بغيرِ خِلَافٍ. وطَوَافُ القُدُومِ، وهو سُنَّةٌ، لا شىءَ على تَارِكِه. وطَوَافُ الوَدَاعِ، وَاجِبٌ، يَنُوبُ عنه الدَّمُ إذا تَرَكَهُ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، وأصْحابُه، والثَّوْرِيُّ. وقال مَالِكٌ: على تَارِكِ طَوَافِ القُدُومِ دَمٌ، ولا شىءَ على تَارِكِ طَوافِ الوَدَاعِ. وحُكِىَ عن الشَّافِعِيِّ كقَوْلِنَا في طَوافِ الوَدَاعِ، كقَوْلِه في طَوافِ القُدُومِ. وما عَدَا (١٢) هذه الأطْوِفَة فهو نَفْلٌ، ولا يُشْرَعُ في حَقِّهِ أكْثَرُ من سَعْىٍ واحِدٍ، بغيرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ. قال جابِرٌ: لم يَطُفِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولا أَصْحَابُه، بين الصَّفَا والمَرْوَةِ، إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا، طَوَافَهُ الأَوَّلَ. رَوَاهُ


(٨) في ب، م: "قرنت".
(٩) سقط من: ب، م.
(١٠) سقط من: الأصل.
(١١) سقط من: أ، ب، م.
(١٢) في أ، ب، م: "زاد على".

<<  <  ج: ص:  >  >>