للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكونَ هو السَّبَبَ، أو جُزءًا منه، أو شَرْطًا له، بدليلِ تَوَقُّفِ الحُكْمِ على وُجودِه، وأيًّا مَّا كان، فلم يَتَكَرَّرْ، فلم يجُزِ الإِلْحاقُ ثَمَّ، وإِنْ صَحَّ القياسُ، فقِياسُ كَفَّارَةِ اليَمِينِ على مِثْلِها، أوْلَى من قياسِها على القَتْلِ؛ لبُعْدِ ما بينهما.

فصل: وإذا حَلَفَ يَمِينًا واحِدَةً على أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ، فقال: واللَّهِ لا أَكَلْتُ، ولا شَرِبْتُ، ولا لَبِسْتُ. فحَنِثَ فى الجميعِ، فكفَّارَةٌ واحِدَةٌ. لا أعلمُ فيه خِلافًا؛ لأَنَّ اليَمِينَ واحِدَةٌ، والحِنْثَ واحِدٌ، فإنَّه بِفِعْلِ واحِدٍ من المَحْلُوفِ عليه يحْنَثُ، وتَنْحَلُّ اليَمِينُ. وإِنْ حَلَفَ أَيْمانًا غلى أجْناسٍ، فقال: واللَّهِ لا أَكَلْتُ، واللَّهِ لا شَرِبْتُ، واللَّهِ لا لَبِسْتُ. فحَنِثَ فى واحِدَةٍ منها، فعليه كفّارَةٌ، فإنْ أَخْرَجَها ثم حَنِثَ فى يَمِينٍ أُخْرَى، لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى. لا نعلمُ فى هذا أيضًا خِلافًا؛ لأنَّ الحِنْثَ فى الثانية تَجبُ به الكفَّارَةُ بعدَ أَنْ كَفَّرَ عن الأُولَى، فأشْبَهَ ما لو وَطِئَ فى رمضانَ فكَفَّرَ، ثم وَطِئَ مَرًّة أُخْرَى. وإِنْ حَنِثَ فى الجميعِ قبلَ التَّكْفيرِ، فعليه فى كُلِّ يَمِينٍ كفارَةٌ. هذا ظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ. وروَاه الْمَرُّوذِىُّ عن أحمدَ. وهو قولُ أكثرِ أهلِ العِلْمِ. وقال أبو بكرٍ: تُجْزِئُه كَفّارَةٌ واحِدَةٌ. وروَاها ابنُ منصورٍ عن أحمدَ. قال القاضى: وهى الصَّحِيحَةُ. وقال أبو بكرٍ: ما نَقَلَه الْمَرُّوذِىُّ عن أحمدَ قولٌ لأَبى عبدِ اللَّه، ومذهبُه أَنَّ كَفَّارَةً واحِدَة تُجْزِئُه. وهو قولُ إسحاقَ؛ لأنَّها كَفَّاراتٌ من جِنْسٍ، فتَداخَلَت، كالحُدودِ من جِنْسٍ، وإِنْ اخْتَلَفَتْ مَحالُّها، بأَنْ يَسْرِقَ من جماعَةٍ، أو يَزْنِىَ بِنِساءٍ. ولَنا، أنَّهُن أَيمانٌ لا يَحْنَثُ فى إِحْداهُنَّ بالحِنْثِ فى الأُخْرَى، فلم تتكَفَّرْ إحداهما بكَفَّارَةِ الأُخْرَى، كما لو كَفَّر عن إِحداهما قبلَ الحِنْثِ فى الأُخْرَى، وكالأَيْمانِ المُخْتَلِفَة الكَفَّارَة، وبهذا فارقَ الأيْمانَ على شىءٍ واحِدٍ؛ فإنَّه متى حَنِثَ فى إحداهما كان حانِثًا فى الأُخْرَى، فلمَّا (٧) كان الحِنْثُ واحِدًا، كانت الكَفَّارَةُ واحِدَةً، وههُنا تَعَدَّدَ الحِنْثُ، فَتَعَدَّدَت الكَفَّاراتُ، وفارقَ (٨) الحُدودَ؛ فإنَّها وَجَبَت للزَّجْرِ، وتَنْدَرِئُ بالشُّبُهاتِ، بخلافِ مَسْأَلَتِنا، ولأَنَّ الحُدودَ عُقُوبَةٌ بَدَنِيَّةٌ، فالمُوالاةُ بينها رُبَّما أَفْضَتْ إلى التَّلَفِ، فاجْتُزِئَ بأَحَدِها، وههُنا الواجِبُ إخْراجُ مالٍ يَسِيرٍ، أو صيامُ ثلاثَةِ أيّامٍ، فلا يَلْزَمُ الضَّرَرُ الكثيرُ بالمُوالاةِ فيه، ولا يُخْشَى منه التَّلَفُ


(٧) فى م: "فإن".
(٨) فى الأصل: "وفارقت".

<<  <  ج: ص:  >  >>