للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأَجْبَرْنَاهُ على أخْذِ ما يَلِى دَارَه من غيرِ قُرْعَةٍ، وهذا لا نَظِيرَ له. ولأصْحَابِ الشَّافِعِىِّ وَجْهَانِ، كهذَيْنِ. ومتى اقْتَسَمَا العَرْصَةَ طُولًا، فبَنَى كلُّ واحِدٍ منهما لِنَفْسِه حَائِطًا، وبَقِيَتْ بينهما فُرْجَةٌ، لم يُجْبَرْ أحَدُهما على سَدِّها، ولم يُمْنَعْ من سَدِّها؛ لأنَّ ذلك يَجْرِى مَجْرَى بِنَاءِ الحائِطِ في عَرْصَتِه.

فصل: وإن كان بينهما حَائِطٌ، فاتَّفَقَا على قِسْمَتِه طُولًا، جَازَ، ويُعَلَّمُ بين نَصِيبِهما بِعَلَامَةٍ. وإن اتَّفَقَا على قِسْمَتِه عَرْضًا، فقال أصْحَابُنا: يجُوزُ (٤٢)؛ لأنَّ الحَقَّ لهما، لا يَخْرُجُ عنهما، فأَشْبَهَ العَرْصَةَ. ويَحْتَمِلُ أن لا تَجوزَ القِسْمَةُ؛ لأنَّها لا تكونُ إلَّا بِتَمْيِيزِ نَصِيبِ أحَدِهما من الآخَرِ، بحيثُ يُمْكِنُه الانْتِفَاعُ بِنَصِيبِه دُونَ نَصِيبِ صَاحِبِه، وهاهُنا لا يَتَمَيَّزُ، ولا يُمْكِنُ انْتِفَاعُ أحَدِهِما بِنَصِيبِه مُنْفَرِدًا؛ لأنَّه إن وَضَعَ خَشَبَهُ على أحَدِ جَانِبَى الحائِطِ، كان ثِقْلُه على الحائِطِ كلِّه، وإن فَتَحَ فيه طَاقًا يُضْعِفُه، ضَعُفَ كُلُّه، وإن وَقَعَ بعضُه، تَضَرَّرَ النَّصِيبُ الآخَرُ. وإن طَلَبَ أحَدُهما قَسْمَهُ وأَبَى الآخَرُ، فذَكَرَ القاضي، أنَّ الحُكْمَ في الحائِطِ كالحُكْمِ في عَرْصَتِه، سواءٌ، ولا يُجْبَرُ على قَسْمِ الحائِطِ، إلَّا أن يَطْلُبَ أحَدُهُما قَسْمَه طُولًا. ويَحْتَمِلُ أن لا يُجْبَرَ على قَسْمِه أيضًا، وهو أحَدُ الوَجْهَيْنِ لأَصْحَابِ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّهما إن قَطَعَاهُ بينهما، فقد أتْلَفَا جُزْءًا من الحائِطِ، ولا يُجْبَرُ المُمْتَنِعُ من ذلك، كما لو كان بينهما ثَوْبٌ، فطَلَبَ أحَدُهما قَطْعَهُ. وإن لم يُقْطَعْ وعَلَّمَا عَلَامَةً على نِصْفِه، كان انْتِفَاعُ أحَدِهِما بِنَصِيبِه انْتِفَاعًا بِنَصِيبِ الآخَرِ. ووَجْهُ الأَوَّلِ، أنَّه يُجْبَرُ على قَسْمِ الدَّارِ وقَسْمِ حَائِطِها المُحِيط بها، وكذلك قَسْمِ البُسْتَانِ وحَائِطِه، ولا يُجْبَرُ على القَطْعِ المُضِرِّ، بل يُعَلِّمُه بِخَطٍّ بين نَصِيبِهِما، ولا يَلْزَمُ من ذلك انْتِفَاعُ أحَدِهِما بِنَصِيبِ الآخَرِ وإن اتَّصَل به، بِدَلِيلِ الحائِطِ المُتَّصِلِ في دَارَيْنِ. واللَّه أعْلَمُ.


(٤٢) في م زيادة: "القسمة".

<<  <  ج: ص:  >  >>