للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإن وَقَّتَ الهِبَةَ إلى غيرِ العُمْرَى والرُّقْبَى، فقال: وَهَبْتُكَ هذا لِسَنَةٍ، أو إلى أن يَقْدَم الحاجُّ، أو إلى أن يَبْلُغَ وَلَدِى، أو مُدَّةَ حَيَاةِ فُلانٍ. ونحو هذا، لم يَصِحَّ؛ لأنَّها تَمْلِيكٌ لِلرَّقَبةِ، فلم تَصِحَّ مُؤَقَّتةً، كالبَيْعِ، وتُفَارِقُ العُمْرَى والرُّقْبِى؛ لأنَّ الإِنْسانَ إنَّما يَمْلِكُ الشيءَ عُمْرَه، فإذا مَلَكَه عُمْرَه فقد وَقَّتَه بما هو مُؤَقَّتٌ به في الحَقِيقةِ، فصارَ ذلك كالمُطْلَقِ. وإن شَرَطَ رُجُوعَها إليه بعدَ ذلك، كان شَرْطًا على غير المَوْهُوبِ له، بخِلَافِ غيرِه.

٩٣٨ - مسألة؛ قال: (وَإنْ قَالَ: سُكْنَاهَا لَك عُمُرَكَ. كَانَ لَهُ أخذُهَا أيَّ وَقْتٍ أحَبَّ؛ لأنَّ السُّكْنَى لَيْسَتْ كالعُمْرَى والرُّقْبَى)

أمَّا إذا قال: سُكْنَى هذه الدَّار لك عُمُرَكَ، أو اسْكُنها (١) عُمُرَكَ. أو نحو ذلك، فليس ذلك بِعَقْدٍ لازِم؛ لأنَّه في التَّحْقِيقِ هِبَةُ المَنافِعِ، والمَنَافِعُ إنَّما تُسْتَوْفَى بِمُضِيِّ الزَّمانِ شيئا فشيئا، فلَا تَلْزَمُ إلّا في قَدْرِ ما قَبَضَه منها واسْتَوْفاه بالسُّكنَى. ولِلْمُسْكِنِ الرُّجُوعُ متى شاءَ، وأيُّهما ماتَ بَطَلَتِ الإِباحَةُ. وبهذا قال أكْثَرُ العُلَماءِ، وجَماعَةُ أهْلِ الفَتْوَى، منهم؛ الشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والثَّورِيُّ، والشافِعِىُّ، وإسحاقُ، وأصْحابُ الرَّأْى. ورُوِى مَعْنَى ذلك عن حَفصَةَ. وقال الحَسَنُ، وعَطَاءٌ، وقَتَادَةُ: هي كالعُمْرَى، تكونُ له ولِعَقِبه؛ لأنَّها في مَعْنَى العُمْرَى، فيَثْبُتُ فيها مثل حُكْمِها. وحُكِى عن الشَّعْبِيِّ أنَّه إذَا قال: هي لك، اسْكُنْ حتى تَمُوتَ. فهى له حَيَاتَه ومَوْتَه. وإن قال: دَارِى هذه اسْكُنْها حتى تَمُوتَ. فإنَّها تَرْجِعُ إلى صاحِبِها؛ لأنه إذا قال: هي لك. فقد جَعَلَ له رَقَبَتَها، فتكون عُمْرَى. فإذا قال: اسْكُنْ دارِى هذه. فإنَّما جَعَل لي نَفْعَها دون رَقَبَتِها، فتكون عارِيَّةً. ولَنا، أنَّ هذا إباحَةُ المنَافِعِ، فلم يَقَعْ لازِمًا كالعارِيَّةِ. وفارَقَ العُمْرَى فإنَّها هِبَةٌ لِلرَّقَبةِ. فأمَّا إذا قال: هذه لك، اسْكُنْها حتى تَمُوتَ. فإنَّه يَحْتَمِلُ (٢) لك سُكْنَاها حتى تَمُوتَ.


(١) في الأصل: "أسكنتها".
(٢) في الأصل: "يحصل".

<<  <  ج: ص:  >  >>