للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَمْنَعُ الوُجُوبَ إذا وُجِدَ في جَمِيعِ الشَّهْرِ، فمنَعَهُ إذا وُجِدَ في جَمِيعِ النَّهارِ، كالصَّبَأ والكُفْرِ، وأمَّا إن أفاقَ في بعضِ اليَوْمِ فلنا مَنْعٌ في وُجُوبِهِ، وإن سَلَّمنْاه فإنَّه قد أدْرَكَ بعضَ وَقْتِ العِبادَةِ، فلَزِمَتْهُ (٢)، كالصَّبِيِّ إذا بَلَغَ، والكافِرِ إذا أسْلَمَ في بعضِ النَّهَارِ، وكما لو أدْرَكَ بعضَ وَقْتِ الصلاةِ. ولَنا، على الشَّافِعِيِّ، أنَّه زَوَالُ عَقْلٍ في بعضِ النَّهارِ، فلم يَمْنَعْ صِحَّةَ الصَّوْمِ، كالإِغْماءِ والنَّوْمِ، ويُفارِقُ الحَيْضَ؛ فإِنَّ الحَيْضَ لا يَمْنَعُ الوُجُوبَ، وإنَّما يُجَوِّزُ تَأْخِيرَ الصَّوْمِ، ويُحَرِّمُ فِعْلَه، ويُوجِبُ الغُسْلَ، ويُحَرِّمُ الصلاةَ والقِرَاءَةَ واللُّبْثَ في المَسْجِدِ والوَطْءَ، فلا يَصِحُّ قِياسُ الجُنُونِ عليه.

٤٨٨ - مسألة؛ قال: (وَإِذَا سَافَرَ مَا يَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةَ، فَلَا يُفْطِرُ حَتَّى يَتْرُكَ البُيوتَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ)

وجُمْلَتُه (١) أنَّ لِلْمُسَافِرِ أن يُفْطِرَ في رمضانَ وغيرِه، بِدَلَالَةِ الكِتابِ والسُّنَّةِ والإِجْمَاعِ؛ أمَّا الكِتابُ فقولُ اللهِ تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (٢)، وأمَّا السُّنَّةُ فقولُ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنَّ اللهَ وَضَعَ عَنِ المُسَافِرِ الصَّوْمَ". رَوَاهُ النَّسَائِىُّ، والتِّرْمِذِىُّ (٣)، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ. في أخْبَارٍ كَثِيرَةٍ سِوَاهُ. وأجْمَعَ المُسلمونَ على إباحَةِ الفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ في الجُمْلَةِ، وإنَّما يُباحُ الفِطْرُ في السَّفَرِ الطَّوِيلِ، الذي يُبِيحُ القَصْرَ، وقد ذَكَرْنا قَدْرَهُ في الصلاةِ (٤). ثم لا يَخْلُو المُسَافِرُ من ثلاثةِ أحْوالٍ: أحدُها، أن يَدْخُلَ عليه شهرُ رمضانَ في السَّفَرِ، فلا نَعْلَمُ بين أهْلِ العِلْمِ خِلافًا في إباحَةِ الفِطْرِ له. الثانى، أن يُسَافِرَ في أثْناء الشَّهْرِ لَيْلًا، فله الفِطْرُ في صَبِيحَة اللَّيْلَةِ التى يَخْرُجُ فيها، وما


(٢) في ب، م: "فلزمه".
(١) في م: "وجملة ذلك".
(٢) سورة البقرة ١٨٥.
(٣) تقدم تخريجه في ٣/ ١١٩.
(٤) تقدم في ٣/ ١٠٥ - ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>