للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَثْبتُ بالإِقْرارِ، فلم يُعْتَبَرْ فيه التَّكْرَارُ، كحَقِّ الآدَمِىِّ. ولَنا، ما رَوَى أبو داودَ (٤)، بإسْنادِه عن أبي أُمَيَّةَ المَخْزُومِىِّ، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتِىَ بلِصٍّ قد اعْتَرفَ، فقال له: "مَا إِخَالُكَ سَرَقْتَ". قال: بَلَى. فأعادَ عليه مَرَّتَيْن أو ثلاثًا، فَأَمَرَ به، فقُطِعَ. ولو وجبَ القَطْعُ بأوَّلِ مَرَّةٍ، لَمَا أخَّرَه. ورَوَى سعيدٌ، عن هُشَيْمٍ، وسُفْيانَ، وأبى الأحْوَصِ، وأبى مُعاويةَ، عن الأعْمَشِ، عن عبد الرحمن بنِ القاسم، عن أبيه، قال: شَهِدتُ عليًّا، وأتاه رجلٌ، فأقرَّ بالسَّرِقَةِ، فردَّه. وفى لفظٍ: فانتهرَه. وفى لفظٍ: فسكتَ عنه. وقال غيرُ هؤلاء: فطردَه. ثم عادَ بعدَ ذلك، فأقرَّ، فقال له علىٌّ: شَهِدْتَ على نفسِكَ مَرَّتين. فأمرَ به، فقُطِع، وفى لفظٍ: قد أقررْتَ على نفسِك مَرَّتين (٥). ومثلُ هذا يُشْتَهَرُ، فلم يُنْكَرْ. ولأنَّه يتضمَّنُ إتْلافًا في حَدٍّ، فكانَ من شَرْطِه التَّكْرَارُ، كحَدِّ الزِّنَى. ولأنَّه أحَدُ حُجَّتَىِ القَطْعِ، فَيُعْتَبَرُ فيه التَكْرَارُ، كالشَّهَادَةِ. وقياسُهم يَنْتَقِضُ بحَدِّ الزِّنَى عندَ مَن اعتَبَرَ التَّكْرَارَ، ويُفارقُ حَقَّ الآدَمِىِّ؛ لأنَّ حَقَّه مَبْنِىٌّ على الشُّحِّ، والتَّضْييقِ، ولا يُقْبَلُ رجوعُه عنه، بخلافِ مَسْألتِنا.

فصل: ويُعْتَبَرُ أن يَذْكُرَ في إقْرارِه شروطَ السَّرِقَةِ، من النِّصَابِ والحِرْزِ، وإخراجِه منه.

فصل: والحُرُّ والعبدُ في هذا سَواءٌ. نصَّ عليه أحمدُ؛ وذلك لعُمومِ النَّصِّ فيهما، ولِمَا رَوَى الأعمشُ، عن القاسِمِ، عن أبيه: أنَّ عليًّا قَطَعَ عبدًا أقرَّ عندَه بالسَّرِقَةِ (٥). وفى روايةٍ. قال: كان عبدًا. يعني الذي قَطَعَه علىٌّ. ويُعْتَبَرُ أنْ يُقِرَّ مَرَّتينِ. ورَوَى مُهَنَّا، عن أحمدَ: إذا أقرَّ العبدُ أربعَ مَرَّاتٍ أنَّه سَرَقَ، قُطِعَ. وظاهِرُ هذا أنَّه اعْتَبَرَ إقرارَه أربعَ مَرَّاتٍ، ليكونَ على النِّصْفِ من الحُرِّ. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لخبرِ علىٍّ، ولأنَّه إقرارٌ بحَدٍّ،


(٤) في: باب في التلقين في الحد، من كتاب الحدود. سنن أبي داود ٢/ ٤٤٧.
كما أخرجه النسائي، في: باب تلقين السارق، من كتاب قطع السارق. المجتبى ٨/ ٦٠. وابن ماجه، في: باب تلقين السارق، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٦٦. والإِمام أحمد في: المسند ٥/ ٢٩٣.
(٥) أخرجه عبد الرزاق، في: باب اعتراف السارق، من كتاب اللقطة. المصنف ١٠/ ١٩١. وابن أبي شيبة، في: باب في الرجل يقر بالسرقة كم يردد مرة، من كتاب الحدود. المصنف ٩/ ٤٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>