للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكونَ قابِضًا لنَفْسِه من نَفْسِه، ويَكِلُ ذلك إلى اجتهادِه فى قَدْرِ ما يُنْفِقُ، ويَرْجِعُ به على صاحِبِها، فإنَّ اختَلفا فى قَدْرِ النَّفقةِ، فالقولُ قولُ المُودَعِ إذا ادَّعَى النفقةَ بالمَعْروفِ، وإن ادَّعَى أَكْثَر من ذلك، لم يَثْبُتْ له. وإن اختلَفا فى قَدْرِ المُدَّةِ التى أَنْفَقَ عليها (٢١)، فالقولُ قولُ صاحِبِها؛ لأنَّ الأصْلَ عدمُ ذلك. فإن لم يَقْدِرْ على الحاكمِ، فأنْفَقَ عليها مُحْتَسِبًا بالرُّجوعِ على صاحبِها، وأشْهَدَ على الرُّجوعِ، رَجَعَ بما أَنْفَقَ، رِوايةً واحدةً؛ لأنَّه مأذُونٌ فيه عُرْفًا، ولا تَفْرِيطَ منه إذا لم يَجِدْ حاكمًا. وإن فَعَلَ ذلك مع إمكانِ اسْتِئْذانِ الحاكمِ من غيرِ إذْنِه، فهل له الرجوعُ؟ يُخَرَّجُ على رِوَايتَيْنِ. نصَّ عليهما فيما إذا أَنْفَقَ على البَهيمةِ المَرْهونةِ من غيرِ إذْنِ الراهنِ، وفى الضامنِ إذا ضَمِنَ وأدَّى (٢٢) بغيرِ إذنِ المَضْمونِ عنه، هل يَرْجِعُ به؟ على رِوَايتَيْن؛ إحداهما، يَرْجعُ به (٢٣)؛ لأنَّه مأذونٌ فيه عُرْفًا. والثانية، لا يَرْجِعُ؛ لأنَّه مُفَرِّطٌ بتَرْكِ اسْتِئْذانِ الحاكمِ. وإن أَنْفقَ من غيرِ إشهادٍ، مع العَجْزِ عن اسْتئذانِ الحاكمِ، أو مع إمْكانِه، ففى الرُّجوعِ وَجْهان أيضًا كذلك. ومتى عَلَفَ البهيمةَ أو سَقَاها فى دارِه، أو غيرِها، بنَفْسِه، أو أَمَرَ غُلامَه أو صاحِبَه، ففَعلَ ذلك، كما يَفْعلُ فى بهائِمِه، على ما جَرَتْ به العادةُ، فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّ هذا مأذونٌ فيه عُرْفًا، لجَريانِ العادةِ به، فأشْبَهَ المُصَرَّحَ به.

فصل: وإن أوْدَعهُ البهيمةَ، وقال: لا تَعْلِفْها، ولا تَسْقِها. لم يَجُزْ له تَرْكُ عَلْفِها؛ لأنَّ للحَيَوانِ حُرمةً فى نَفْسِه يجبُ إحياؤُه لِحَقِّ اللَّهِ تعالى. فإن عَلَفَها وسَقَاها، كان كالقِسْمِ الذى قبلَه، وإن تَرَكها حتَّى تَلِفتْ، لم يَضْمَنْها. وهذا قولُ عامَّةِ أصْحابِ الشافعىِّ. وقال بعضُهم: يَضْمَنُ؛ لأنَّه تَعَدَّى بِتَرْكِ عَلْفِها، أشْبَهَ ما (٢٤) إذا لم يَنْهَهُ. وهذا قولُ ابنِ المُنْذِرِ؛ لنَهْىِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن إضاعةِ المالِ (٢٥). فيَصِيرُ أمرُ مالِكِها وسُكوتُه سَواءٌ. ولَنا، أنَّه مُمْتَثِلٌ لأمْرِ (٢٦) صاحِبها، فلم يَضْمَنْها، كما لو قال: اقْتُلْها


(٢١) فى م: "فيها".
(٢٢) فى م: "وأذن".
(٢٣) سقط من: ب.
(٢٤) سقط من: الأصل، أ، م.
(٢٥) تقدم تخريجه فى: ٦/ ٥١٦.
(٢٦) ق حاشية الأصل، أ، ب: "لقول".

<<  <  ج: ص:  >  >>