للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. قال التِّرْمِذِىُّ: وقد أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ عليه. وقال الإمامُ أحمدُ، عن محمدِ بن كَعْبٍ القُرَظِىِّ، قال: قال رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنِّى أُرِيدُ أنْ أُجَدِّدَ فى صُدُورِ المُؤْمِنِينَ عَهْدًا، أَيُّمَا صَبِىٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ، فَإِنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الحَجُّ، وأيّما مَمْلُوكٍ حَجَّ به أَهْلُه، فَماتَ، أجْزَأَتْ عَنْهُ، فَإنْ أُعْتِقَ، فَعَلَيْهِ الحَجُّ". رَوَاهُ سَعِيدٌ، فى "سُنَنِه" (٢)، والشَّافِعِىُّ، فى "مُسْنَدِه"، عن ابنِ عَبَّاسٍ من قَوْلِه (٣). ولأنَّ الحَجَّ عِبادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، فَعَلَها قبل وَقْتِ وُجُوبِها، فلم يَمْنَعْ ذلك وُجُوبَها عليه فى وَقْتِها، كما لو صَلَّى قبلَ الوَقْتِ، وكما لو صَلَّى، ثمَّ بَلَغ فى الوَقْتِ.

فصل: فإن بَلَغَ الصَّبِىُّ، أو عَتَقَ العَبْدُ بِعَرَفَةَ، أو قبلَها، غيرَ مُحْرِمَين، فأحْرَما وَوَقَفَا بِعَرَفَةَ، وأتمَّا المَنَاسِكَ، أجْزَأهُما عن حَجَّةِ الإِسلامِ. لا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا؛ لأنَّه لم يَفُتْهُما شىءٌ من أرْكانِ الحَجِّ، ولا فَعَلَا شيئًا منها قبلَ وُجُوبِه. وإن كان البُلُوغُ والعِتْقُ وهما مُحْرِمَانِ، أجْزَأهُما أيضًا عن حَجَّةِ الإِسلامِ. كذلك قال ابنُ عَبَّاسٍ. وهو مذهبُ الشَّافِعِىِّ، وإسحاقَ. وقالَه الحسنُ فى العَبْدِ. وقال مالِكٌ: لا يُجْزِئُهما. واخْتَارَه ابنُ المُنْذِرِ. وقال أصْحابُ الرَّأْىِ: لا يُجْزِئُ العَبْدَ، فأمَّا الصَّبِىُّ، فإن جَدَّدَ إحْرَامًا بعدَ أن احْتَلَمَ قبلَ الوُقُوفِ، أجْزَأَهُ، وإلَّا فلا؛ لأنَّ إحْرَامَهُما لم يَنْعَقِدْ وَاجِبًا، فلا يُجْزِئُ عن الوَاجِبِ، كما لو بَقِيَا على حَالِهما. ولَنا، أنَّه أدْرَكَ الوُقُوفَ حُرًّا بالِغًا، فأجْزَأَهُ، كما لو أحْرَمَ تِلك السَّاعَةَ. قال أحمدُ: قال طَاوُسٌ، عن ابنِ عَبَّاسٍ: إذا أُعْتِقَ (٤) العَبْدُ بِعَرَفَةَ، أجْزَأتْ عنه


(٢) عزاه الزيلعى، فى أول كتاب الحجّ، لأبى داود فى مراسيله. نصب الراية ٣/ ٧.
(٣) أخرجه الشافعى، فى: باب فيما جاء فى فرض الحجّ وشروطه، من كتاب الحجّ. ترتيب مسند الشافعى ١/ ٢٨٣.
(٤) فى م: "عتق".

<<  <  ج: ص:  >  >>