للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسَرقةٍ (٨) فى مكانٍ آخَرَ، أو شهِدَ أحدُهما بغَصْبِ كيسٍ أبيضَ، وشهِدَ آخرُ بغَصْبِ كيسٍ أسوَد، فادَّعاهما المشهودُ له، فله أن يَحْلِفَ مع كل واحدٍ منهما، ويُحْكَمَ له به؛ لأنَّه مال قد شهِدَ له به شاهدٌ. وإن لم يَدَّعِ إِلَّا أحدَهما، ثَبَتَ له ما ادَّعاه، ولم يَثْبُتْ له الآخَرُ؛ لعَدَمَ دَعْواه إيَّاهُ.

فصل: فأمَّا الشهادةُ على الإِقرارِ، مثل أن يشْهَدَ أحدُهما أنَّه أقَرَّ عندِى يومَ الخميسِ بدمشقَ أنَّه قتلَه، أو قذفَه، أو غصَبَه كذا، أو أَنَّ له فى ذِمَّتِه كذا، ويشْهَدَ آخَرُ أنَّه أقَرَّ عندى بهذا يومَ السبتِ بحِمْصَ، كَمَلَتْ شهادتُهما. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشافعىُّ. وقال زُفَرُ: لا تَكْمُلُ شهادتُهما؛ لأنَّ كلَّ إِقْرارٍ لم يشْهَدْ به إِلَّا واحدٌ، فلم تَكْمُلِ الشَّهادةُ، فأشْبَهَ الشَّهادةَ على الفِعْلِ. ولَنا، أَنَّ المُقِرَّ به واحدٌ، وقد شهِدَ اثنان بالإِقْرارِ به، فكَمَلَتْ شَهادتُهما، كما لو كان الإِقْرارُ بهما واحدًا، وفارَقَ الشَّهادةَ على الفعلِ؛ فإن الشَّهادةَ فيها على فِعْليْنِ مُخْتلِفيْنِ، فنَظِيرُه من الإِقْرارِ أن يشْهَدَ أحدُهما أنَّه أقَرَّ عندِى أنَّه قتلَه فى يومِ الخميسِ، وشهِدَ الآخَرُ أنَّه أقَرَّ أنَّه قتلَه يومَ الجمعةِ، فإنَّ شهادتَهما لا تُقْبَلُ ههُنا. ويُحَقِّقُ ما ذكَرْناه، أنَّه لا يُمْكِنُ جَمْعُ الشُّهودِ لسَماعِ الشهادةِ فى حق كلِّ واحدٍ، والعادةُ جارِيةٌ بطلَبِ الشُّهودِ فى أماكنِهم، لا فى جَمْعِهم إلى المشْهودِ له، فيَمْضِى إليهم فى أوْقاتٍ مُتفَرِّقةٍ، وأماكنَ مُخْتلِفةٍ، فيُشْهِدُهم على إقْرارِه. وإن كان الإِقْرارُ على فِعْلَيْنِ مُخْتلِفَيْنِ، مثل أن يقولَ أحدُهما: أشْهَدُ أنَّه أقر عندِى أنَّه قتلَه يومَ الخميس. وقال الآخَرُ: أشْهَدُ أنَّه أقَرَّ عندِى أنَّه قتله يومَ الجمعةِ. أو قال أحدُهما: أشْهَدُ أنَّه أقَرَّ عندِى أنَّه قَذَفَه بالعربيَّةِ. وقال الآخَرُ: أشْهَدُ أنَّه أقَرَّ عندِى أنَّه قَذَفَه بالعَجَمِيَّةِ. لم تكُمُلِ الشَّهادةُ؛ لأنَّ الذى شهِدَ به أحدُهما غيرُ الذى شهِدَ به صاحبُه، فلما تَكْمُلِ الشَّهادةُ، كما لو شهِدَ أحدُهما أنَّه أقَرَّ أنَّه غَصَبَه [دنانيرَ، وشهِدَ الآخرُ أنَّه أقَرَّ أنَّه غصَبَه] (٩) دَراهمَ، لم تَكْمُكِ الشَّهادةُ. وعلى قولِ أبى بكرٍ، تَكْمُلُ الشهادةُ فى القتْلِ، والقَذْفِ؛ لأنَّ القَذْفَ بالعربيَّة أو العَجَمِيَّةِ، والقَتْلَ بالبَصرةِ أو الكُوفةِ، ليس من المُقْتَضِى، فلا يُعْتبَرُ فى الشَّهادةِ، ولم يُؤثِّرْ. والأَوَّلُ أصَحُّ.


(٨) فى أ، ب: "بسرقته".
(٩) سقط من: أ، ب. نقل نظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>