للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: أشدُّ الضَّرْبِ في الحَدِّ ضَرْبُ الزَّانِى، ثم حَدُّ القَذْفِ، ثم حَدُّ الشُّرْبِ، ثم التَّعْزِيرُ. وقال مالِكٌ: كُلُّها واحِدٌ؛ لأنَّ اللَّه تعالى أمرَ بجَلْدِ الزَّانِى والقاذِفِ أمرًا واحدًا، ومقصودُ جميعِها واحِدٌ، وهو الزَّجْرُ، فيجبُ تَساوِيها في الصِّفَةِ. وعن أبي حنيفةَ: التَّعْزِيرُ أشدُّها، ثم حَدُّ الزَّانِى، ثم حَدُّ الشُّرْبِ، ثم حَدُّ القَذْفِ. ولَنا، أنَّ اللَّه تعالى خَصَّ الزَّانِىَ بمَزيدِ تأْكيدٍ، بقولِه سبحانه: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} (٢). فاقْتَضَى ذلك مَزِيدَ تأْكيدٍ فيه، ولا يُمْكِنُ ذلك في العَددِ، فتعيَّنَ جَعْلُه في الصِّفَةِ، ولأنَّ ما دُونَه أَخَفُّ منه عَددًا، فلا يجوزُ أن يزيدَ عليه في إيلامِه ووجَعِه؛ لأنَّه يُفْضِى إلى التَّسْوِيَةِ بينَهما، أو زيادةِ القليلِ على ألمِ الكثيرِ.

١٦٠٣ - مسألة؛ قال: (وَيُجْلَدُ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ أرْبَعِينَ، بِدُونِ سَوْطِ الْحُرِّ)

[هذا على الرِّواية التي تقول: إنَّ حَدَّ الحُرِّ في الشُّرْبِ ثمانون. فحَدُّ العبدِ والأمةِ نصفُها أربعون (١). وعلى الرِّوَايَةِ الأُخْرَى، حدُّهما عشرون، نصفُ حَدِّ الحُرِّ، بدُونِ سَوْطِ الحُرِّ] (٢)؛ لأنَّه لَمَّا خُفِّفَ عنه في عَدَدِه؛ خُفِّفَ عنه في صِفَتِه، كالتَّعْزِيرِ مع الحَدِّ. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ سَوْطُه كسَوْطِ الحُرِّ؛ لأنَّه إنَّما يتحَقَّقُ التَّنصيفُ إذا كان السَّوْطُ مثلَ السَّوْطِ، أمَّا إذا كان نِصْفًا في عَدَدِه، وأخفَّ منه في سَوْطِه، كان أقلَّ من النِّصْفِ، واللَّه تعالى قد أوْجَبَ النِّصفَ، بقولِه تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (٣).

فصل: ولا تُقَامُ الحدودُ في المساجِدِ. وبهذا قال عَكِرْمَةُ، والشَّعْبِىُّ، وأبو حنيفةَ، ومالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وإسحاقُ. وكان ابنُ أبي ليلى يَرَى إقامتَه في المسجدِ. ولَنا، ما


(٢) سورة النور ٢.
(١) في م: "وأربعون".
(٢) سقط من: ب.
(٣) سورة النساء ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>