للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَنْبَلٌ: سمعتُ أبا عبدِ اللهِ يقولُ: المُعْتَكِفُ لا يَبِيعُ ولا يَشْتَرِى إلَّا ما لا بُدَّ له منه، طَعامٌ أو نحوُ ذلك، فأمَّا التِّجارَةُ، والأَخْذُ والعَطَاءُ، فلا يجوزُ شىءٌ من ذلك. وقال الشَّافِعِىُّ: لا بَأْسَ أن يَبِيعَ ويَشْتَرِىَ، ويَخِيطَ، ويَتَحَدَّثَ، ما لم يَكُنْ مَأْثَمًا. ولَنا، ما رَوَى عَمْرُو بن شُعَيْبٍ، عن أبِيهِ، عن جَدِّهِ، أنَّ النَّبىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عن البَيْعِ والشِّرَاءِ فى المسجدِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ (١)، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ. ورَأَى عِمْرانُ القَصِيرُ رَجُلًا يَبِيعُ فى المسجدِ، فقال: يا هذا، إنَّ هذا سُوقُ الآخِرَةِ، فإنْ أرَدْتَ البَيْعَ فاخْرُجْ إلى سُوقِ الدُّنْيَا. وإذا مُنِعَ من البَيْعِ والشِّرَاءِ فى غير حالِ الاعْتِكافِ، ففيه أَوْلَى. فأمَّا الصَّنْعَةُ، فظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، أنَّه لا يجوزُ منها ما يَكْتَسِبُ به؛ لأنَّه بِمَنْزِلَةِ التِّجَارَةِ بِالبَيْعِ والشِّراءِ. ويجوزُ ما يَعْمَلُه لِنَفْسِه، كخِياطَةِ قَمِيصِه ونَحْوِهِ. وقد رَوَى المَرُّوذِىُّ قال: سألتُ أبا عبدِ اللهِ، عن المُعْتَكِفِ، تَرَى له أن يَخِيطَ؟ قال: لا يَنْبَغِى له أن يَعْتَكِفَ إذا كان يُرِيدُ أن يَفْعَلَ. وقال القاضى: لا تجوزُ الخِياطَةُ فى المسجدِ، سَوَاءٌ كان مُحْتَاجًا إليها أو لم يَكُنْ، قَلَّ أو كَثُرَ؛ لأنَّ ذلك مَعِيشَةٌ أو تَشَغُّلٌ عن الاعْتِكَافِ، فأشْبَهَ البَيْعَ والشِّرَاءَ فيه. والأوْلَى أن يُبَاحَ له ما يَحْتَاجُ إليه من ذلك، إذا كان يَسِيرًا، مثل أن يَنْشَقَّ قَمِيصُه فيَخِيطَه، أو يَنْحَلَّ شىءٌ يَحْتَاجُ إلى رَبْطٍ فيَرْبِطَه؛ لأنَّ هذا يَسِيرٌ تَدْعُو الحاجةُ إليه، فجَرَى مَجْرَى لُبْسِ قَمِيصِه وعِمَامَتِه وخَلْعِهما.

فصل: يُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ التَّشَاغُلُ بالصَّلاةِ وتِلاوَةِ القُرْآنِ، وذِكْرِ اللهِ تعالى


(١) فى: باب ما جاء فى كراهية البيع والشراء وإنشاد الشعر فى المسجد، من أبواب الصَّلاة. عارضة الأحوذى ٢/ ١١٨.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب التحلق يوم الجُمُعَة قبل الصَّلاة، من كتاب الصَّلاة. سنن أبي داود ١/ ٢٤٨. والنسائى، فى: باب النهى عن البيع والشراء فى المسجد، من كتاب المساجد. المجتبى ٢/ ٣٧. وابن ماجه، فى: باب ما يكره فى المساجد، من كتاب المساجد. سنن ابن ماجه ١/ ٢٤٧. والإِمام أحمد، فى: المسند ٢/ ١٧٩، ٢١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>