للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمرادُ بالصَّدَقةِ ههُنا الزكاةُ المَفْروضةُ، دونَ غيرِها من صَدَقةِ التَّطَوُّعِ والكَفَّاراتِ والنُّذُورِ والوَصَايَا. ولا نعلمُ خِلافًا بين أهلِ العلمِ فى أنَّه لا يجوزُ دَفْعُ الزّكاةِ إلى غيرِ هذه الأصنافِ، إلَّا ما رُوِىَ عن أنَسٍ (٣)، والحسنِ، أنَّهما قالا: ما أعطيت فى الجُسُورِ والطُّرُقِ، فهى صدقةٌ ماضِيَةٌ. والأوَّلُ أصحُّ؛ ذلك لأنَّ اللَّه تعالى قال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ}. و"إنَّمَا" لِلْحَصْرِ تُثْبِتُ المَذْكُورَ، وتَنْفِى ما عَدَاه؛ لأنَّها مُرَكَّبةٌ من حَرْفَىْ نَفْى وإثْباتٍ، فجَرَى مَجْرَى قولِه تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (٤). أى لا إله إلَّا اللَّه. وقوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ} (٥). أى ما أنْتَ إلَّا نَذِيرٌ. وقول النبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّما الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" (٦).

١٠٨٦ - مسألة؛ قال: (الفُقراءُ، وَهُمْ الزَّمْنَى، والْمَكَافِيفُ الَّذِينَ لَا حِرْفةَ لَهُمْ، والْحِرْفةُ الصِّنَاعَةُ، ولَا يَمْلكُونَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، ولَا قِيمَتَها من الذَّهَبِ. والْمَساكِينُ، وهُمُ السُّؤّالُ، وغَيْرُ السُّؤَّالِ، ومَنْ لَهُم الْحِرْفةُ، إلَّا أنَّهُمْ لَا يَمْلكُونَ خمْسِينَ دِرْهمًا، ولَا قِيمَتَها مِنَ الذَّهَبِ)

الفقراءُ والمساكينُ صِنْفانِ فى الزَّكاةِ، وصِنْفٌ واحدٌ فى سائرِ الأحكامِ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ من الاسْمَيْنِ يَنْطَلِقُ عليهما، فأمَّا إذا جُمِعَ بين الاسْمَيْنِ، ومُيِّزَ بين المُسَمَّيَيْنِ تَمَيَّزَا، وكلاهُما يُشْعِرُ بالحاجةِ والفاقةِ وعَدَمِ الغِنَى، إلَّا أَنَّ الفقيرَ أشدُّ حاجةً من المسكينِ، من قِبَلِ أَنَّ (١) اللَّه تعالى بَدَأ به، وإنَّما يَبْدَأُ بالأهَمِّ فالأهَمِّ. وبهذا قال الشَّافعىُّ، والأصْمَعِىُّ. وذَهَبَ أبو حنيفةَ إلى أنَّ المِسْكينَ أشدُّ حاجةً. وبه قال


(٣) فى م: "عطاء". وسقط من: ب.
(٤) سورة النساء ١٧١.
(٥) سورة الرعد ٧.
(٦) تقدم تخريجه فى: ٨/ ٣٥٩.
(١) سقط من: الأصل، ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>