للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال فى الجَدِيدِ: ليس له وَضْعُه. وهو قول أبى حنيفةَ، ومَالِكٍ؛ لأنَّه انْتِفَاعٌ بمِلْكِ غيرِه من غيرِ ضَرُورَةٍ، فلم يَجُزْ، كزِرَاعَتِه. ولَنا، الخَبَرُ، ولأنَّه انْتِفَاعٌ بحَائِطِ جَارِه على وَجْهٍ لا يَضُرُّ به، أشْبَه الاسْتِنَادَ إليه والاسْتِظْلَالَ به، ويُفَارِقُ الزَّرْعَ، فإنَّه يَضُرُّ، ولم تَدْعُ إليه حَاجَةٌ. إذا ثَبَتَ هذا، فاشْتَرَطَ القاضى وأبو الخَطَّابِ لِلْجَوَازِ أن يكونَ له ثَلَاثَةُ حِيطَانٍ، ولِجَارِه حَائِطٌ واحدٌ، وليس هذا فى كلامِ أحمدَ، إنَّما قال، فى رِوَايَةِ أبى داودَ: لا يَمْنَعُه إذا لم يِكُنْ ضَرَرٌ، وكان الحائِطُ يَبْقَى. ولأنَّه قد يَمْتَنِعُ التَّسْقِيفُ على حَائِطَيْنِ إذا كانا غيرَ مُتَقَابِلَيْنِ، أو كان البَيْتُ وَاسِعًا يَحْتَاج إلى أن يَجْعَلَ عليه جِسْرًا ثم يَضَعُ الخَشَبَ على ذلك الجِسْرِ. والأَوْلَى اعْتِبَارُه بما ذَكَرْنَا من اعْتِبَارِ التَّسْقِيفِ بدُونِه. ولا فرْقَ فيما ذَكَرْنَا بين البَالِغِ واليَتِيمِ والمَجْنُونِ والعاقِلِ؛ لما ذَكَرْنَا. واللَّه أعلمُ.

فصل: فأمَّا وَضْعُه فى جِدَارِ المَسْجِدِ، إذا ؤجِدَ الشَّرْطَانِ، فعن أحمدَ فيه رِوَايَتانِ: إحْدَاهما، الجَوَازُ؛ لأنَّه إذا جَازَ فى مِلْكِ الجارِ، مع أنَّ حَقَّهُ مَبْنِىٌّ على الشُّحِّ والضِّيقِ، ففى حُقُوقِ اللَّه تعالى المَبْنِيَّةِ على المُسَامَحَةِ والمُسَاهَلَةِ أوْلَى. والثانية، لا يجوزُ. نَقَلَها أبو طَالِبٍ؛ لأنَّ القِيَاسَ يَقْتَضِى المَنْعَ فى حَقِّ الكُلِّ، تُرِكَ فى حَقِّ الجارِ لِلْخَبَرِ الوَارِدِ فيه، فوَجَبَ البَقَاءُ فى غيرِه على مُقْتَضَى القِيَاسِ. وهذا اخْتِيَارُ أبى بكرٍ. وخَرَّجَ أبو الخَطَّابِ من هذه الرِّوَايَةِ وَجْهًا لِلْمَنْعِ من وَضْعِ الخَشَبِ فى مِلْكِ الجَارِ؛ لأنَّه إذا مُنِعَ (٩٠) من وَضْعِ الخَشَبِ فى الجِدَارِ المُشْتَرَكِ بين المُسْلِمِينَ ولِلْوَاضِعِ فيه حَقٌّ فَلأنْ يُمْنَعَ مَن المُخْتَصِّ بغيرِه أَوْلَى. ولأنَّه إذا مُنِع فى حَقٍّ للَّه تعالى مع أنَّ حَقَّهُ على المُسَامَحَةِ والمُسَاهَلَةِ؛ لِغِنَى اللَّه تَعَالَى وكَرَمِه، فَلأَنْ يُمْنَعَ فى حَقِّ آدَمِىٍّ مع شُحِّه وضِيقِه أوْلَى. [والمَذْهَبُ الأوَّلُ] (٩١). فإن قِيل: فلِمَ لا تُجِيزُونَ فَتْحَ الطَّاقِ والبابِ فى الحائِطِ، بالقِيَاسِ على وَضْعِ الخَشَبِ؟ قُلْنا: لأنَّ الخَشَبَ يُمْسِكُ الحائِطَ ويَنْفَعُه، بخِلَافِ الطَّاقِ والبَابِ، فإنَّه يُضْعِفُ الحائِطَ، لأنَّه يَبْقَى مَفْتُوحًا فى الحائِطِ، والذى


(٩٠) فى أ، م: "امتنع".
(٩١) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>