للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّلَامُ: "لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ" (١٠). من غير تَفْصِيلٍ، ولأنَّه نَوَى من اللَّيْلِ، فَصَحَّ صَوْمُه، كما لو نَوَى في النِّصْفِ الأخِيرِ ولم يَفْعَلْ ما يُنافِى الصَّوْمَ، ولأنَّ تَخْصِيصَ النِّيَّةِ بالنِّصْفِ الأَخِيرِ يُفْضِى إلى تَفْوِيتِ الصَّوْمِ؛ لأنَّه وَقْتُ النَّوْمِ، وكَثِيرٌ من النّاسِ لا يَنْتَبِهُ فيه، ولا يَذْكُرُ الصَّوْمَ، والشَّارِعُ إنَّما رَخَّصَ في تَقْدِيمِ النِّيَّةِ على ابْتِدَائِه، لِخُروجِ (١١) اعْتِبَارِها عندَه، فلا يَخُصُّها بمَحَلٍّ لا تَنْدَفِعُ المَشَقَّةُ بِتَخْصِيصِها به، ولأنَّ تَخْصِيصَها بالنِّصْفِ الأَخِيرِ تَحَكُّمٌ من غيرِ دَلِيلٍ، ولا يَصِحُّ اعْتِبَارُ الصَّوْمِ بالأذانِ والدَّفْعِ من مُزْدَلِفَةَ؛ لأنَّهما يَجُوزَانِ بعد الفَجْرِ، فلا يُفْضِى مَنْعُهما في النِّصْفِ الأوَّلِ إلى فَوَاتِهِما، بخِلافِ نِيَّةِ الصَّوْمِ، ولأنَّ اخْتصَاصَهما بالنِّصْفِ الأخِيرِ بمعنى تَجْوِيزِهِما فيه، واشْتِرَاطُ النِّيَّةِ بمعنى الإيجابِ والتَّحَتُّمِ، وفَوَاتِ الصَّوْمِ بِفَوَاتِها فيه، وهذا فيه مَشَقَّةٌ ومَضَرَّةٌ، بخِلافِ التَّجْوِيزِ، ولأنَّ مَنْعَهما في النِّصْفِ الأوَّلِ لا يُفْضِى إلى اخْتِصَاصِهما بالنِّصْفِ الأَخِيرِ، لِجَوَازِهما بعدَ الفَجْرِ، والنِّيَّةُ بخِلافِه، فأمَّا إن فسَخ النِّيَّةَ، مثل إن نَوَى الفِطْرَ بعد نِيَّةِ الصِّيامِ، لم تُجْزِئْه تلك النِّيَّة المَفْسُوخَة، لأنَّها زَالَتْ حُكْمًا وحَقِيقَةً.

فصل: وإن نَوَى من النَّهارِ صَوْمَ الغَدِ، لم تُجْزِئْه تِلْكَ النِّيَّة، إلَّا أن يَسْتَصْحِبَها إلى جُزْءٍ من اللَّيْلِ. وقد رَوَى ابنُ مَنصورٍ، عن أحمدَ، في (١٢) مَن نَوَى الصَّوْمَ عن قَضاءِ رمضانَ بالنَّهَارِ، ولم يَنْوِ من اللَّيْلِ، فلا بَأْسَ، إلَّا أنْ يكونَ فَسَخَ النِّيَّةَ بعدَ ذلك. فظاهِرُ هذا حُصُولُ الإِجْزاءِ بِنِيَّتِه من النَّهارِ، إلَّا أنَّ القاضىَ قال: هذا مَحْمُولٌ على أنَّه اسْتَصْحَبَ النِّيَّةَ إلى جُزْءٍ من اللَّيْلِ. وهذا صَحِيحٌ؛


(١٠) تقدم تخريجه في صفحة ٣٣٤.
(١١) في م: "لحرج".
(١٢) سقط من: أ، ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>