للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُوِىَ ذلك عن ابنِ عُمَرَ، وأنَسٍ، وعبدِ اللهِ بن يَزِيدَ الأنْصارِيّ، والنَّخَعِىِّ، والشَّعْبِىِّ، والشَّافِعِىِّ. وقال أبو حنيفةَ: تُوضَعُ الجِنَازَةُ على جَانِبِ القَبْرِ، ممَّا يَلِى القِبْلَةَ، ثم يُدْخَلُ القَبْرَ مُعْتَرِضًا؛ لأنَّه يُرْوَى عن عليٍّ، رَضِىَ اللهُ عنه، ولأنَّ النَّخَعِىَّ قال: حَدَّثَنى مَن رَأَى أهْلَ المَدِينَةِ في الزَّمَنِ الأوَّل يُدْخِلُونَ مَوْتَاهُمْ مِن قِبَلِ القِبْلَةِ، وأنَّ السَّلَّ شيءٌ أحْدَثَهُ أهْلُ المَدِينَةِ. ولَنا، ما رَوَى الإِمامُ أحمدُ، بإسْنَادِه عن عبدِ اللَّه بن يَزِيدَ الأنْصَارِىِّ، أنَّ الحارِثَ أوْصَى أن يَلِيَهُ عندَ مَوْتِه، فَصَلَّى عليه، ثم دَخَلَ القَبْرَ، فأدْخَلَهُ من رِجْلَىِ القَبْرِ، وقال: هذا السُّنَّةُ (١). وهذا يَقْتَضِى سُنَّةَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. ورَوَى ابنُ عمرَ، وابنُ عَبَّاسٍ، أن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سُلَّ من قِبَلِ رَأْسِهِ سَلًّا (٢). وما ذُكِرَ عن النَّخَعِىِّ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ مَذْهَبَهُ بِخِلافِه، ولأنَّه لا يجوزُ على العَدَدِ الكَثِيرِ أن يُغَيِّرُوا سُنَّةً ظَاهِرَةً في الدَّفْنِ إلَّا بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ، أو سُلْطَانٍ قَاهِرٍ. قال (٣): ولم يُنْقَلْ من ذلك شيءٌ، ولو ثَبَتَ فَسُنَّةُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُقَدَّمَةٌ على فِعْلِ أهْلِ المَدِينَةِ. وإنْ كان الأسْهَلُ عليهم أخْذَهُ مِن قِبَلِ القِبْلَةِ، أو مِن رَأْسِ القَبْرِ، فلا حَرَجَ فيه؛ لأنَّ اسْتِحْبَابَ أَخْذِه من رِجْلَىِ القَبْرِ، إنَّما كان طَلبًا لِلسُّهُولَةِ عليهم، والرِّفْقِ [به، فإذا] (٤) كان الأسْهَلُ غَيْرَهُ كان مُسْتَحَبًّا. قال أحمدُ، رَحِمَهُ اللهُ: كُلٌّ لا بَأْسَ به.

فصل: قال أحمدُ، رَحِمَهُ اللهُ: يُعَمَّقُ القَبْرُ إلى الصَّدْرِ، الرَّجُلُ والمَرْأَةُ في ذلك سَواءٌ. كان الحسنُ، وابنُ سِيرِينَ يَسْتَحِبَّانِ أن يُعَمَّقَ القَبْرُ إلى الصَّدْرِ. وقال


(١) أخرجه أبو داود، في: باب في الميت يدخل من قبل رجليه، من كتاب الجنائز. سنن أبي داود ٢/ ١٩٠، ١٩١.
(٢) حديث ابن عمر لم نعثر عليه. انظر: تلخيص الحبير لابن حجر ٢/ ١٢٨ ونصب الراية للزيلعى ٢/ ٢٩٨.
أما حديث ابن عباس فأخرجه الإِمام الشافعي، في كتاب الجنائز. ترتيب المسند ١/ ٢١٥.
(٣) سقط من: الأصل.
(٤) في أ، م: "بهم فإن".

<<  <  ج: ص:  >  >>