للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَشْروعيَّةِ الخُلْعِ أن تُوجدَ مِن المرأةِ رَغْبةٌ عن زَوْجِها، وحاجةٌ إلى فِرَاتِه، فتَسْألَه فراقَها، فإذا أجابَها، حصلَ المقْصودُ مِنَ الخُلْعِ، فصحَّ، كما لو كان بعِوَضٍ. قال أبو بكرٍ: لا (٢) خلافَ عن أبى عبدِ اللَّهِ، أَنَّ الخُلْعَ ما كان مِن قِبَلِ النِّساءِ، فإذا كان مِن قِبَلِ الرِّجالِ، فلا نِزاعَ فى أنَّه طلاقٌ تُمْلَكُ به الرَّجْعةُ، ولا يكونُ فَسْخًا. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يكونُ خُلْعٌ إلَّا بِعِوَضٍ. رَوَى عنه مُهَنَا، إذا قال لها: اخْلَعِى نفسَك. فقالت: خلَعْتُ نفسِى. لم يكُنْ خُلعًا إلَّا على شىءٍ، إلَّا أن يكونَ نَوى الطَّلاقَ، فيكونُ ما نَوَى. فعلَى هذه الرِّوايةِ، لا يصحُّ الخُلْعُ إلَّا بعِوَضٍ، فإنْ تَلفَّظَ به بغيرِ عِوَضٍ، ونَوَى الطَّلاقَ، كان طلاقًا رَجْعِيًّا؛ لأنَّه (٣) يَصلُحُ كنايةً عَنِ الطَّلاقِ. وإن لم يَنْوِ به الطَّلاقَ، لم يكُنْ (٤) شيئًا. وهذا قولُ أبى حنيفةَ، والشَّافعىِّ؛ لأنَّ الخُلْعَ إن كان فسخًا، فلا يَمْلِكُ الزَّوجُ فَسْخَ النِّكاحِ إلا لِعَيْبِها (٥). وكذلك لو قال: فَسَخْتُ النِّكاحٍ. ولم يَنْوِ به الطَّلاقَ، لم يقَعْ شىءٌ، بخلافِ ما إذا دخلَه العِوَضُ، فإنَّه يَصيرُ مُعاوَضَةً، فلا يجْتمِعُ له العِوَضُ والمُعَوَّضُ. وإن قُلْنا: الخُلْعُ طلاقٌ. فليس بصريحٍ فيه اتِّفاقًا، وإنما هو كنايةٌ، والكنايةُ لا يقَعُ بها الطَّلاقُ إلَّا بِنِيَّةٍ، أو بَذْلِ العِوَضِ (٦)، فيقومُ مَقامَ النِّيَّةِ، وما وُجِدَ واحدٌ منهما. ثم إنْ وقَعَ الطَّلاقُ، فإذا لم يكُنْ بِعِوَضٍ، لم يَقْتَضِ البَيْنُونةَ إلَّا أن تَكْمُلَ الثَّلاثُ.

فصل: إذا قالت: بِعْنِى عبدَك هذا طلِّقْنِى بألفٍ. ففعلَ، صَحَّ، وكان بيعًا وخُلعًا بعِوَضٍ واحدٍ؛ لأَنَّهما عَقْدَانِ، يصحُّ إفرادُ كلِّ واحدٍ منهما بعِوَضٍ، فصحَّ جَمْعُهما، كبَيْعِ ثَوْبينِ. وقد نَصَّ أحمدُ على الجَمْعِ بين بَيْع وصَرْفٍ، أنَّه يَصحُّ، وهو نظيرٌ لهذا. وذكرَ أصحابُنا فيه وَجْهًا آخرَ، أنَّه لا يصِحُّ؛ لأنَّ أحْكامَ العَقْدَينِ تخْتلِفُ. والأوّلُ أصحُّ؛ لما ذكَرْنا. وللشَّافعىِّ فيه قَوْلانِ أيضًا. فعلى قَوْلِنا يتَقَسَّطُ


(٢) سقط من: ب، م.
(٣) فى الأصل زيادة: "لا".
(٤) فى الأصل: "يقع".
(٥) فى أ، ب، م: "بعيبها".
(٦) فى أ، ب، م: "للعوض".

<<  <  ج: ص:  >  >>