كان تَطَوُّعًا إذا خَرَجَ منه لم يَجِبْ قَضَاؤُه، كما لو اعْتَقَدَ أنَّه من رمضانَ فبانَ مِن شعبانَ أو من شَوَّال. فأمَّا خَبَرُهم، فقال أبو دَاوُدَ: لا يَثْبُتُ. وقال التِّرْمِذِيُّ: فيه مَقالٌ. وضَعَّفَهُ الجُوزَجَانِيُّ وغيرُه، ثم هو مَحْمُولٌ على الاسْتِحْبابِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يُسْتَحَبُّ له إتْمامُه، وإن خَرَجَ منه اسْتُحِبَّ قَضاؤُهُ؛ لِلْخُرُوجِ من الخِلافِ، وعَمَلًا بِالخَبَرِ الذي رَوَوْهُ.
فصل: وسائِرُ النَّوافِلِ من الأعْمالِ حُكْمُها حُكْمُ الصِّيامِ، في أَنَّها لا تَلْزَمُ بالشُّرُوعِ، ولا يَجِبُ قَضاؤُها إذا خَرَجَ منها، إلَّا الحَجَّ والعُمْرَةَ، فإنَّهما يُخالِفانِ سَائِرَ العِبَادَاتِ في هذا، لِتَأكُّدِ إحْرَامِهِما، ولا يَخْرُجُ منهما بإفْسادِهما. ولو اعْتَقَدَ أنَّهما واجِبانِ، ولم يكونَا وَاجِبَيْنِ، لم يَكُنْ له الخُرُوجُ منهما. وقد رُوِيَ عن أحمدَ في الصلاةِ ما يَدُلُّ على أنَّها تَلْزَمُ بالشُّرُوعِ، فإنَّ الأثْرَمَ قال: قلتُ لأبي عبدِ اللهِ: الرَّجُلُ يُصْبِحُ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا، أيكونُ بالخِيارِ؟ والرَّجُلُ يَدْخُلُ في الصلاةِ ألَهُ أَن يَقْطَعَها؟ فقال: الصلاةُ أشَدُّ، أما الصلاةُ فلا يَقْطَعُها. قيل له: فإن قَطَعَها قَضَاهَا؟ قال: إنْ قَضَاهَا فليس فيه اخْتِلافٌ. ومالَ أبو إسحاقَ الجُوزَجَانِيُّ إلى هذا القَوْلِ، وقال: الصلاةُ ذَاتُ إحْرَامٍ وإحْلالٍ، فلَزِمَتْ بالشُّرُوعِ فيها، كالحَجِّ. وأكْثَرُ أصْحَابِنَا على أنَّها لا تَلْزَمُ أيضا. وهو قولُ ابنِ عَبَّاسٍ؛ لأنَّ ما جازَ تَرْكُ جَمِيعِه جازَ تَرْكُ بَعْضِه، كالصَّدَقَةِ، والحَجُّ والعُمْرَةُ يُخالِفانِ غَيْرَهما.
فصل: ومن دَخَلَ في واجِبٍ، كقَضاءِ رمضانَ، أو نَذْرٍ مُعَيَّنٍ أو مُطْلَقٍ، أو صِيامِ كَفَّارَةٍ، لم يَجُزْ له الخُرُوجُ منه؛ لأنَّ المُتَعَيِّنَ وَجَبَ عليه الدُّخُولُ فيه، وغيرَ المُتَعَيِّنِ تَعَيَّنَ بِدُخُولِه فيه، فصارَ بِمَنْزِلَةِ الفَرْضِ المُتَعَيِّنِ، وليس في هذا خِلافٌ بِحَمْدِ اللهِ.