للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: ويجوزُ أخذُ الآبِقِ لمن وَجَدَه. وبهذا قال مالِكٌ، والشافِعِيُّ، وأصْحابُ الرأى. ولا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا؛ وذلك لأنَّ العَبْدَ لا يُؤْمَنُ لَحَاقُه بدارِ الحَرْبِ، وارْتِدَادُه، واشْتِغَالُه بالفَسَادِ في سائِر البِلَادِ، بخِلَافِ الضَّوَالّ التي تَحْفَظُ نَفْسَها. فإذا أخَذَه فهو أمانةٌ في يَدِه، إن تَلِفَ بغيرِ تَفْرِيطِه، فلا ضَمَانَ عليه، وإن وَجَدَ صاحِبَه، دَفَعَه (٣٣) إليه إذا أقامَ به البَيِّنةَ، أو اعْتَرَفَ العَبْدُ أنَّه سَيِّدُه. وإن لم يَجِدْ سَيِّدَه، دَفَعَه إلى الإِمَامِ أو نائِبِه، فيَحْفَظُه لِصَاحِبِه، أو يَبِيعُه ان رَأى المَصْلَحةَ في بَيْعِه، ونحوَ ذلك قال مالِكٌ، وأصْحابُ الرأى، ولا نَعْلَمُ لهم (٣٤) مُخَالِفًا. وليس لِمُلْتَقِطِه بَيْعُه ولا تَمَلُّكُه بعد تَعْرِيفِه؛ لأنَّ العَبْدَ يَنْحَفِظُ بِنَفْسِه، فهو كَضَوَالِّ الإِبِلِ. فإن باعَه، فالبَيْعُ فاسِدٌ، في قولِ عامَّةِ أهْلِ العِلْمِ، منهم؛ أبو حنيفةَ، والشّافِعِيُّ. وإن باعَه الإِمَامُ لِمَصْلَحةٍ رَآها في بَيْعِه، فجاءَ سَيِّدُه فاعتَرفَ أنَّه كان أعْتَقَه، قُبِلَ منه؛ لأنَّه لا يَجُرُّ إلى نَفْسِه بهذا نَفْعًا، ولا يَدْفَعُ عنها ضَرَرًا. ويَحْتَمِلُ أن لا يُقْبَلَ؛ لأنَّه مِلْكٌ لغيرِه، فلا يُقبَلُ إقْرَارُه في مِلْكِ غيرِه، كما لو باعَه السَّيِّدُ ثم أقَرَّ بِعِتقِه. فعلى هذا ليس لِسَيِّدِه أخْذُ ثَمَنِه؛ لأنه يُقِرُّ أنَّه حُرٌّ. ولا يَسْتَحِقُّ ثَمَنَه، ولكن يُؤْخَذُ إلى بَيْتِ المالِ؛ لأنَّه مُسْتَحقٌّ (٣٥) له، فهو كَتَرِكَةِ من ماتَ ولا وارِثَ له. فإن عادَ السَّيِّدُ فأنْكَرَ العِتْقَ، وطَلَبَ المالَ، دُفِعَ إليه؛ لأنَّه لا مُنَازِعَ له فيه.

فصل: وإذا أبَقَ العَبْدُ، فحَصَلَ في يَدِ حاكِمٍ، فأقامَ سَيِّدُه بَيِّنةً عند حاكِمِ بَلَدٍ آخَرَ أنَّ فُلَانًا الذي صِفَتُه كذا وكذا، واسْتَقْصَى صِفَاتِه، عَبْدَ فُلَانِ بن فُلَانٍ (٣٦) أبَقَ منه، فقَبِلَ الحاكِمُ بَيِّنَتَه، وكَتَبَ الحاكِمُ (٣٧) إلى الحاكِمِ الذي عنده العَبْدُ: ثَبَتَ عِنْدِى إبَاقُ فُلَانٍ الذي صِفَتُه كذا وكذا. قَبِلَ كِتَابَه، وسَلَّمَ إليه العَبْدَ. وهذا قولُ


(٣٣) في م: "دفع".
(٣٤) في م: "فيه".
(٣٥) في الأصل: "لا يستحق".
(٣٦) في م زيادة: "فلا".
(٣٧) سقط من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>