للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يكونُ مَقْبُوضًا بذلك؛ لأنَّ القَبْضَ مِن تَمَامِ العَقْدِ، فتَعَلَّقَ بأحَدِ المُتَعَاقِدَيْنِ، كالإِيجابِ والقَبُولِ. ولَنا، أنَّه قَبْضٌ فى عَقْدٍ، فجازَ فيه التَّوْكِيلُ، كسَائِرِ القُبُوضِ، وفَارَقَ القَبُولَ؛ لأنَّ الإِيجَابَ إذا كان لِشَخْصٍ كان القَبُولُ منه، لأنَّه يُخَاطَبُ به، ولو وَكَّلَ فى الإِيجَابِ والقَبُولِ قبلَ أن يُوجِبَ له، صَحَّ أيضا، وما ذَكَرُوه يَنْتَقِضُ بالقَبْضِ فى البَيْعِ، فيما يُعْتَبَرُ القَبْضُ فيه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يجوزُ أن يَجْعَلَا الرَّهْنَ على يَدَىْ مَن يجوزُ تَوْكِيلُه، وهو الجائِزُ التَّصَرُّفِ، مُسْلِمًا كان أو كَافِرًا، عَدْلًا أو فَاسِقًا، ذَكَرًا أو أُنْثَى، ولا يجوزُ أن يكونَ صَبِيًّا؛ لأنَّه غيرُ جائِزِ التَّصَرُّفِ مُطْلَقًا، فإن فَعَلَا [كان قَبْضُه] (٦) وعَدَمُ القَبْضِ واحِدًا (٧)، ولا عَبْدًا بغيرِ إِذْنِ سَيِّدِه؛ لأنَّ مَنَافِعَ العَبْدِ لِسَيِّدِه، فلا يجوزُ تَضْيِيعُها فى الحِفْظِ بغير إِذْنِهِ (٨)، فإن أَذِنَ له السَّيِّدُ، جَازَ. وأما المُكَاتَبُ، فإن كان بِجُعْلٍ، جازَ؛ لأنَّ له الكَسْبَ، وبَذْلَ مَنَافِعِه بغيرِ إِذْنِ السَّيِّدِ، وإن كان بغيرِ جُعْلٍ، لم يَجُزْ؛ لأنَّه ليس له التَّبَرُّعُ بمَنَافِعِه.

فصل: فإن جَعَلَا الرَّهْنَ فى يَدَىْ (٩) عَدْلَيْنِ، جَازَ، ولهما إمْسَاكُه، ولا يجوزُ لأَحَدِهِما الانْفِرَادُ بِحِفْظِه. وإن سَلَّمَهُ أحَدُهُما إلى الآخَرِ، فعليه ضَمَانُ النِّصْفِ؛ لأنَّه القَدْرُ الذى تَعَدَّى فيه. وهذا أحَدُ الوَجْهَيْنِ لأَصْحَابِ الشَّافِعِىِّ، وفى الآخَرِ، إذا رَضِىَ أحَدُهُما بإِمْسَاكِ الآخَرِ، جَازَ. وبهذا قال أبو يوسفَ ومحمدٌ. وقال أبو حنيفةَ: إن كان ممَّا يَنْقَسِمُ، اقْتَسَمَاهُ، وإلَّا فلِكُلِّ واحِدٍ منهما إمْسَاكُ جَمِيعِه؛ لأنَّ اجْتِماعَهُما على حِفْظِه يَشُقُّ عليهما، فحُمِلَ الأَمْرُ على أنَّ لِكُلِّ واحدٍ منهما الحِفْظَ. ولَنا، أنَّ المُتَرَاهِنَيْنِ لم يَرْضَيَا إلَّا بِحِفْظِهِمَا معًا (١٠) فلم يَجُزْ لأَحَدِهِما الانْفِرَادُ بذلك، كالوَصِيَّيْنِ لا يَنْفَرِدُ أحَدُهُما بالتَّصَرُّفِ. وقولُهم: إن الاجْتِمَاعَ


(٦) فى أ: "فقبضه".
(٧) فى أ: "واحد".
(٨) فى م: "إذن".
(٩) فى أ، م: "يد".
(١٠) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>