للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧٨٩ - مسألة؛ قال: (وَإذَا أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَهُ المَرْهُونَ، فَقَدْ صَارَ حُرًّا، ويُؤْخَذُ إنْ كَانَ لَهُ مالٌ بِقِيمَةِ المُعْتَقِ، فَيَكُونُ رَهْنًا)

وجُمْلَةُ ذلك أنَّه ليس لِلرَّاهِنِ عِتْقُ الرَّهْنِ؛ لأنَّه يُبْطِلُ حَقَّ المُرْتَهِنِ مِن الوَثِيقَةِ، فإن أَعْتَقَ، نَفَذَ عِتْقُه مُوسِرًا كان أو مُعْسِرًا. نَصَّ عليه أحمدُ، وبه قال شَرِيكٌ، والحَسَنُ بن صَالِحٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، والشَّافِعِيُّ في أحَدِ أقْوَالِه، إلَّا أنَّ أبا حنيفةَ قال: يَسْتَسْعِى العَبْدَ في قِيمَتِه إن كان المُعْتِقُ مُعْسِرًا. وعن أحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: لا يَنْفُذُ عِتْقُ المُعْسِرِ. ذَكَرَها الشَّرِيفُ أبو جعفرٍ. وهو قولُ مَالِكٍ، والقولُ الثاني لِلشَّافِعِيِّ؛ لأنَّ عِتْقَه يُسْقِطُ حَقَّ المُرْتَهِنِ من الوَثِيقَةِ، من عَيْنِ الرَّهْنِ وبَدَلِهَا، فلم يَنْفُذْ، لما فيه من الإِضْرَارِ بالمُرْتَهِنِ، ولأنَّه عِتْقٌ يُبْطِلُ حَقَّ غيرِ المالِكِ، فنَفَذَ من المُوسِرِ دون المُعْسِرِ، كعِتْقِ شِرْكٍ له مِن عَبْدٍ. وقال عَطَاءٌ، والبَتِّيُّ، وأبو ثَوْرٍ: لا يَنْفُذُ عِتْقُ الرَّاهِنِ مُوسِرًا كان أو مُعْسِرًا. وهو القولُ الثالثُ للشَّافِعيِّ؛ لأنَّه مَعْنًى يُبْطِلُ حَقَّ (١) الوَثِيقَةِ من الرَّهْنِ، فلم يَنْفُذْ كالبَيْعِ. ولَنا، أنَّه إعْتَاقٌ من مَالِكٍ جَائِزِ التَّصَرُّفِ تَامِّ المِلْكِ، فنَفَذَ، كعِتْقِ المُسْتَأْجِرِ، ولأنَّ الرَّهْنَ عَيْنٌ مَحْبُوسَةٌ لاسْتِيفَاءِ الحَقِّ، فنَفَذَ فيها عِتْقُ المالِكِ، كالمَبِيعِ في يَدِ البَائِعِ، والعِتْقُ يُخَالِفُ البَيْعَ، فإنَّه مَبْنِيٌّ على التَّغْلِيبِ والسِّرايَةِ، ويَنْفُذُ في مِلْكِ الغيرِ، ويجوزُ عِتْقُ المَبِيعِ قبلَ قَبْضِه، والآبِقِ، والمَجْهُولِ، وما لا يَقْدِرُ على تَسْلِيمِه، ويجوزُ تَعْلِيقُه على الشُّرُوطِ، بِخِلَافِ البَيْعِ. إذا ثَبَتَ هذا فإنَّه إن كان مُوسِرًا أُخِذَتْ منه قِيمَتُه، فجُعِلَتْ مَكَانَه رَهْنًا؛ لأنَّه أبْطَلَ حَقَّ الوَثِيقَةِ بغيرِ إذْنِ المُرْتَهِنِ، فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُه، كما لو أبْطَلَها أَجْنَبِيٌّ، أو كما لو أتْلَفَه، وتكونُ القِيمَةُ رَهْنًا؛ لأنَّها نَائِبَةٌ عن العَيْنِ، وبَدَلٌ عنها، وإن كان مُعْسِرًا فالقِيمَةُ في ذِمَّتِه، فإنْ أيْسَرَ قبلَ حُلُولِ الحَقِّ، أُخِذَتْ منه القِيمَةُ فَجُعِلَتْ رَهْنًا، إلَّا أن يَخْتَارَ تَعْجِيلَ الحَقِّ، فيَقْضِيَه، ولا يَحْتَاجُ إلى رَهْنٍ،


(١) في أ، م: "حد".

<<  <  ج: ص:  >  >>