للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* فشَرُّكما لخيركما الفِداءُ *

لم ينْصَرِفْ شَرُّهما (١٠) إلَّا إلى أبى سفيانَ وحدَه، وخيرُهما النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وحدَه. وهذا فى الحُكمِ، فأمَّا فيما بينَه وبينَ اللَّه تعالى، فيَدينُ فيه، فمتى عَلِمَ مِنْ نفسِه أنَّه أرادَ الأَجْنَبيَّةَ، لم تَطْلُقْ زوجتُه؛ لأنَّ اللَّفظَ مُحْتمِلٌ له، وإن كان غيرَ مُقَيَّدٍ. ولو كانت ثَمَّ قَرِينةٌ دالَةٌ على إرادتِه الأجْنبيَّةَ، مثل أن يَدْفعَ بيمينِه ظُلْمًا، أو يَتخلَّصَ بها مِن مَكْروهٍ، قُبِلَ قولُه فى الحُكْمِ؛ لوُجودِ الدَّليلِ الصارفِ إليها. وإن لم يَنْوِ زوجتَه، ولا الأجْنبيَّةَ، طَلُقَتْ زوجتُه؛ لأنّها مَحَلُّ الطَّلاقِ، واللفظُ يَحْتمِلُها ويَصْلُحُ لها، ولم يَصْرِفْه عنها، فوقَعَ به، كما لو نَوَاها.

فصل: فإن كانت له امْرأتانِ؛ حَفْصَةُ وعَمْرَةُ، فقال: يا حفصةُ. فأجابَتْه عمرةُ، فقال: أنتِ طالقٌ. فإن لم تَكُنْ له نِيَّةٌ، أو نَوَى المُجِيبةَ وحدَها، طَلُقَتْ وحدَها؛ لأنَّها المُطَلَّقةُ دونَ غيرِها. وإن قال: ما خاطبتُ بقولى: أنتِ طالقٌ. إلَّا حفصةَ، وكانت حاضرةً، طَلُقَتْ وحدَها. وإن قال: علمتُ أنّ المُجيبةَ عَمْرةُ، فخاطَبْتُها بالطَّلاقِ، وأردتُ طلاقَ حَفْصةَ. طَلُقَتَا معًا، فى قولِهم جميعًا. وإن قال: ظَنَنْتُ المُجيبةَ حَفْصةَ فطلَّقْتُها. طَلُقَتْ حفصةُ، روايةً واحدةً، وفى عَمرةَ رِوَايتانِ؛ إحْداهما، تَطْلُقُ أيضًا. وهو قولُ النَّخَعِىِّ، وقَتادةَ، والأوْزاعىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. واختاره ابنُ حامدٍ؛ لأنَّه خاطبَها بالطَّلاقِ، وهى مَحَلٌّ له، فطَلُقَتْ، كما لو قَصَدَها. والثَّانية، لا تَطْلُقُ. وهو قولُ الحَسَنِ، والزُّهْرِىِّ، وأبى عُبَيدٍ. قال أحمدُ، فى رواية مُهَنَّا، فى رجلٍ له امرأتانِ، فقال: فلانةُ، أنتِ طالقٌ. فالْتفَتتْ، فإذا هى غيرُ التى حَلَفَ عليها، قال: قال إبراهيمُ: يَطْلُقانِ. والحَسَنُ يقول: تَطْلُقُ التى نَوَى. قيل له: ما تقولُ أنتَ؟ قال: تَطْلُقُ التى نَوَى. ووَجْهُه أنَّه لم يَقْصِدْها بالطَّلاقِ، فلم تَطْلُقْ، كما لو أرادَ أن يقولَ: أنتِ (١١) طاهرٌ. فسَبَقَ لسانُه، فقال: أنتِ طالقٌ. وقال أبو


(١٠) فى الأصل: "شركما".
(١١) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>