للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّبَّانِ: ولأنَّ له أمانًا بعِتْقِ المسلمِ إيَّاه. والصَّحِيحُ، إن شاءَ اللَّه، جَوازُ اسْتِرْقاتِه؛ لأنَّه كافرٌ أصْلِىٌّ، كِتَابِىٌّ، فجاز اسْتِرقاتُه كمُعْتَقِ الحَرْبىِّ، وكغيرِ المُعْتَقِ. وقولُهم: فى اسْتِرْقاقِه إبطالُ وَلاءِ المُسْلمِ. قُلْنا: لا نُسَلِّمُ، بل متى أُعْتِقَ عاد الولاءُ للأوَّلِ، وإنَّما امْتَنَع عَمَلُهُ فى حالِ رِقِّه لمانِعٍ، وإن سَلَّمْنا أَنَّ فيه إبطالَ وَلائِه، فكذلك فى قَتْلِه، وقد جاز إبطالُ ولائِه بالقَتْلِ، فكذلك بالاسْتِرْقاقِ، ولأنَّ القَرابةَ يَبْطُل عَمَلُها بالاسْتِرْقاقِ، فكذلك الولاءُ. وقولُ ابنِ اللَّبَّانِ: له أمانٌ. لا يَصِحُّ؛ فإنَّه (٢١) لو كان له أمانٌ (٢٢)، لم يَجُزْ قَتْلُه ولا سَبْيُه. فعلى هذا، إن اسْتُرِقَّ ثم أُعْتِقَ، احْتَمَلَ أن يكونَ الولاءُ للثانى؛ لأنَّ الحُكْمَيْنِ إذا تَنَافَيا كان الثابتُ هو الآخِرَ منهما، كالنَّاسِخِ والمَنْسُوخِ. واحْتَمَلَ أنَّه للأوَّلِ؛ لأنَّ ولاءَه ثَبَتَ وهو معصومٌ، فلا يزولُ بالاسْتِيلاءِ، كحقيقةِ المِلْكِ. ويَحْتَمِلُ أنَّه بينهما، وأيُّهما مات كان للثَّانى. وإن أَعْتَقَ مُسْلمٌ مُسْلِمًا، أو أعْتَقَه ذِمِّىٌّ، فارْتَدَّ ولَحِقَ بدارِ الحربِ، فسُبِىَ، لم يَجُز اسْتِرقاقُه. وإن اشْتُرِىَ فالشِّراءُ باطِلٌ، ولا يُقْبَلُ منه إلَّا التَّوْبةُ أو القَتْلُ.

فصل: ولا يَصِحُّ بيعُ الوَلاءِ ولا هِبَتُه، ولا أن يَأْذَنَ لمَوْلاه فيُوالِى مَن شاء. رُوِىَ ذلك عن عمرَ، وعلىٍّ، وابنِ مسعودٍ، وابنِ عبَّاسٍ، وابنِ عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم. وبه قال سَعِيدُ بنِ المُسَيَّبِ، وطاوُسٌ، وإياسُ بن معاويةَ، والزُّهْرِىُّ، ومالكٌ، والشافعىُّ، وأبو حنيفةَ وأصحابُه. وكَرِهَ جابرُ بن عبدِ اللَّه بَيْعَ الولاءِ. قال سعيدٌ (٢٣): حدَّثنا جَريرٌ، عن مُغيرةَ، عن إبراهيمَ، قال: قال عبدُ اللَّه: إنَّما الوَلاءُ كالنَّسَبِ فَيَبِيعُ (٢٤) الرَّجُلُ نَسَبَه! . وقال (٢٣): حدَّثنا سفيانُ، عن عَمْرو بن دِينارٍ، أَنَّ مَيْمُونةَ وَهَبَتْ ولاءَ سليمانَ بن يَسَارٍ لابنِ عباسٍ، وكان مُكَاتبًا. ورُوِىَ أَنَّ مَيْمُونةَ وَهَبَتْ ولاءَ موالِيها


(٢١) فى أ: "لأنه".
(٢٢) فى م: "أن".
(٢٣) فى: باب النهى عن بيع الولاء وهبته. سنن سعيد بن منصور ١/ ٩٥.
(٢٤) فى م: "أفيبيع".

<<  <  ج: ص:  >  >>