للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإن أوْدَعه وَدِيعةً، ولم يُعَيَّنْ له موضعَ إحْرازِها، فإنَّ المُودَعَ يَحْفَظُها فى حِرْزِ مثلِها أيَّ مَوْضِعٍ شاءَ. فإنَّ وَضَعَها فى حِرْزٍ، ثمَّ نَقَلَها عنه إلى حِرْزِ مثلِها، لم يَضْمَنْها، سَواءٌ نَقَلها إلى مثلِ الأَوَّلِ أو دُونَه؛ لأنَّ رَبَّها رَدَّ حِفْظَها إلى رَأْيِه واجْتِهادِه، وأذِنَ له فى إحرازِها بما شاء من احْرازِ مثلِها، ولهذا لو تَرَكَها فى هذا الثانى أولًا لم يَضْمَنْها، فكذلك إذا نَقَلَها إليه. ولو كانت العَيْنُ فى بيتِ صاحِبِها فقال (١١) لرجلٍ: احْفَظْهَا فى موضِعِها. فنَقَلَها عنه من غيرِ خَوْفٍ، ضَمِنَها؛ لأنَّه ليس بمُودَعٍ، إنَّما هو وكيلٌ فى حِفْظِها، وليس له إخْراجُها من مِلْكِ صاحِبِها، ولا من مَوْضِعٍ اسْتأجَرَه لها، إلَّا أن يخافَ عليها، فعليه إخْراجُها؛ لأنَّه مأمورٌ بحِفْظِها، وقد تعَيَّن حِفْظُها فى إخراجِها، ويَعْلَمُ أَنَّ صاحِبَها لو حَضَرَ فى هذه الأحوالِ لأخْرَجَها، ولأنَّه مأْمورٌ بحِفْظِها على صفةٍ، فإذا تَعَذَّرَت الصِّفَةُ، لَزِمَه حِفْظُها بدُونِها، كالمُسْتَودَعِ اذا خاف عليها.

فصل: إذا أخْرَجَ الوديعةَ المَنْهِىَّ عن إخْراجِها، فتَلِفَتْ، وادَّعَى أنَّه أخْرَجَها لغَشَيانِ نارٍ، أو سيلٍ، أو شىءٍ ظاهرٍ، فأنْكَرَ صاحِبُها وُجُودَه، فعلى المُسْتَوْدَعِ البينةُ أنَّهُ كان فى ذلك المَوْضعِ ما ادَّعاه؛ لأنَّ هذا ممَّا لا تَتَعَذَّرُ إقامةُ البَيِّنَة عليه؛ لأنَّه أمرٌ ظاهرٌ. فإذا ثَبَتَ ذلك، كان القولُ قولَه فى التَّلَفِ مع يَمينِه، ولا يَحْتاجُ إلى بَيِّنةٍ؛ لأنَّه تتعَذَّرُ إقامةُ البَيِّنَةِ، فلم يُطَالَبْ بها، كما لو ادَّعَى التَّلَفَ بأمْرٍ خَفِىٍّ، وهذا قولُ الشَّافعىِّ. والحكمُ فى إخراجِها من الخَرِيطةِ والصُّنُدوقِ، حكمُ إخراجِها من البيتِ، على ما مَضَى من التَّفْصِيلِ فيه.

فصل: ولو أَمَرَه أن يَجْعَلَها فى منزِلِه، فترَكَها فى ثِيابِه، وخَرَج بها، ضَمِنَها؛ لأنَّ البيتَ أحْرَزُ لها. وإن جاءَه بها فى السُّوقِ، فقال: احْفَظْها فى بيتِكَ. فقام بها فى الحالِ، فتَلِفَتْ، فلا ضَمانَ عليه. وإن تَرَكها فى دُكَّانِه أو ثِيابِه، ولم يَحْمِلْها إلى بيتِه مع إمكانِه، فتَلِفَتْ، ضَمِنَها؛ لأنَّ بيتَه أحْرَزُ لها. هكذا قال أصحابُنا. ويَحْتَمِلُ أنَّه متى


(١١) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>