للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإن قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ، ثم قَتَلَ آخَرَ، ثم سَرَى القَطْعُ إلى نفس المَقْطوعِ فمات، فهو قاتِلٌ لهما، فإذا تشاحَّا في المُسْتَوْفِى للقَتْلِ، قُتِلَ بالذى قَتَلَه؛ لأنَّ وُجُوبَ القَتْلِ عليه أسْبَقُ، فإنَّ القَتْلَ بالذى قَطَعه إنَّما وَجَبَ عندَ السِّرايةِ، وهى مُتأخِّرةٌ عن قَتْلِ الآخَرِ، وأمَّا القَطْعُ، فإن قُلْنا: إنَّه يُسْتَوْفَى منه مثلُ ما فَعَلَ. فإنَّه يُقْطَعُ له أوّلًا، ثم يُقْتَلُ للذى (١٤) قَتَلَه، ويجبُ للأوَّلِ نِصْفُ الدِّيَةِ. وإن قُلْنا: لا يُسْتَوفَى القَطْعُ. وجَبَتْ له الدِّيَةُ كاملةً، ولم يُقْطَعْ طَرَفُه. ويَحْتَمِلُ أن يَجِبَ له القَطْعُ على كلِّ حالٍ؛ لأنَّ القَطْعَ إنَّما يدخُلُ في القتلِ عندَ اسْتِيفاءِ القَتْلِ. فإذا تعذَّرَ اسْتيفاءُ القتلِ، وجَبَ اسْتيفاءُ الطَّرَفِ لوُجودِ (١٥) مُقْتَضِيه، وعَدَمِ المانعِ من اسْتِيفائِه، كما لو لم يَسْرِ. ولوكان قَطْعُ اليَدِ لم يَسْرِ إلى النَّفْسِ، فإنَّه تُقْطَعُ يَدُه أوَّلًا، ثم يُقْتَلُ، وسواءٌ تقَدَّمَ القَطْعُ أو تأخَّرَ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشافعيُّ. وقال مالكٌ: يُقْتَلُ ولا يُقْطَعُ؛ لأنَّه إذا قُتِلَ تَلِفَ الطَّرَفُ، فلا فائِدةَ في القَطْعِ، فأشْبَهَ ما لو كانا لواحدٍ. ولَنا، أنَّهما جِنايتانِ على رَجُلَيْنِ، فلم يتدَاخَلَا، كقَطْعِ يَدَىْ رَجُلَيْنِ. وما ذكَره من القياسِ غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّه قد قال: لو قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ، ثم قَتَلَه يَقْصِدُ المثْلَةَ به، قُطِعَ وقُتِلَ. ونحن نُوافِقُه على هذا في روايةٍ، فقد حَصَلَ الإِجماعُ منَّا ومنه (١٦) على انْتِفاءِ التَّداخُلِ في الأصْلِ، فكيف يَقِيسُ عليه! ولكنَّه يَنْقَلِبُ دليلًا عليه، فنقولُ: قَطَعَ وقَتَلَ، فيُسْتَوْفَى منه مثلُ ما فَعَلَ، كما لو فَعَلَه برَجُلٍ واحدٍ يَقْصِدُ المُثْلةَ به (١٧)، ويَثْبُتُ الحُكْمُ في مَحَلِّ النِّزاعِ بطريقِ التَّنْبِيه، فإنَّه إذا لم يَتَدَاخَلْ حَقُّ الواحدِ، فحقُّ الاثْنَيْنِ أَوْلَى، ويَبْطُلُ بهذا ما قالَه من المَعْنَى.

فصل: وإن قَطَعَ إصْبَعًا من يمينِ رَجُلٍ، ويَمِينًا لآخَرَ، وكان قَطْعُ الإِصْبَعِ أسْبَقَ، قُطِعَتْ إصْبَعُه قِصاصًا، وخُيِّرَ الآخَرُ (١٨) بينَ العَفْوِ إلى الدِّيَةِ، وبينَ القِصاصِ وأَخْذِ دِيَةِ


(١٤) في ب، م: "الذي".
(١٥) في الأصل: "بوجود". وفي م: "لوجوب".
(١٦) في م: "ومنهم".
(١٧) سقط من: الأصل.
(١٨) في الأصل: "الأخير".

<<  <  ج: ص:  >  >>