للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّما وَرَدَ بالتَّفْريقِ بعدَ كَمالِ السَّبَبِ، فلم يَجُزْ قبلَه، كسائرِ الأسْبابِ، وما ذكَرُوه تَحَكم لا دَلِيلَ عليه، ولا أصْلَ له، ثم يَبْطُلُ بما إذا شَهِدَ بالدَّيْنِ رَجُلٌ وامرأةٌ واحدةٌ. أو بمَن تَوَجَّهَتْ عليه اليمينُ إذا أتَى بأكثرِ حُرُوفِها، وبالمسابقةِ إذا قال: مَنْ سَبَقَ إلى خَمْسِ إصاباتٍ. فسَبَقَ إلى ثلاثةٍ، وبسائرِ (١٧) الأسْبابِ، فأمَّا إذا تَمَّ اللِّعانُ، فلِلحاكمِ أَن يُفَرِّقَ بينهما من غيرِ اسْتِئْذانِهِما؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرَّقَ بين المُتلاعِنَيْنِ، ولم يَسْتَأْذِنْهُما. ورَوَى مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابنِ عمرَ، أنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امرأتَه فى زَمَنِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وانْتَفَى من وَلَدِها، ففَرَّقَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما، وألْحَقَ الولدَ بالمَرْأةِ. وروَى سُفْيانُ، عن الزُّهْرِىِّ، عن سَهْلِ بن سعدٍ، قال: شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرَّقَ بين المُتلاعِنَيْنِ. أخْرَجَهُما سعيدٌ (١٨). ومتى قُلْنا: إنَّ الفُرْقةَ لا تحصلُ إلَّا بتَفْريقِ الحاكمِ. فلم يُفَرِّقْ بينهما، فالنّكاحُ باقٍ بحالِه؛ لأنَّ ما يبطِلُ النِّكاحَ لم يُوجَدْ، فأشْبَهَ ما لو لم يُلَاعِنْ.

فصل: وفُرْقةُ اللِّعانِ فَسْخٌ. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: هى طَلَاقٌ؛ لأنَّها فُرْقة من جهَةِ الزَّوجِ، تَخْتَصُّ النّكاحَ، فكانت طلاقًا، كالفُرْقةِ بقَوْلِه: أنتِ طالِقٌ. ولَنا، أنَّها فُرْقةٌ توُجِبُ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا، فكانتْ فَسْخًا، كفُرْقةِ الرَّضاعِ، ولأنَّ اللِّعانَ ليس بصَرِيحٍ فى الطَّلاقِ، ولا نَوَى به الطَّلاقَ، فلم يكُنْ طلاقًا، كسائرِ ما يَنْفَسِخُ به النِّكاحُ، ولأنَّه لو كان طَلاقًا، لوَقَعَ بلِعانِ الزَّوْجِ دُونَ لِعَانِ المرأةِ.


(١٧) فى الأصل: "وسائر".
(١٨) فى: باب ما جاء فى اللعان، من كتاب الطلاق. السنن ١/ ٣٥٩.
كما أخرج الأول البخارى، فى: باب يلحق الولد بالملاعنة، من كتاب الطلاق، وفى: باب ميراث الملاعنة، من كتاب الفرائض. صحيح البخارى ٧/ ٧٢، ٨/ ١٩١. ومسلم، فى: كتاب اللعان. صحيح مسلم ٢/ ١١٣٢، ١١٣٣. والترمذى، فى: باب ما جاء فى اللعان، من أبواب الطلاق. عارضة الأحوذى ٥/ ١٨٨، ١٨٩. والنسائى، فى: باب نفى الولد باللعان وإلحاقه بأمه، من كتاب الطلاق. المجتبى ٦/ ١٤٦. وابن ماجه، فى: باب فى اللعان، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه ١/ ٦٦٩. والدارمى، فى: باب فى اللعان، من كتاب النكاح. سنن الدارمى ٢/ ١٥١. والإمام مالك، فى: باب ما جاء فى اللعان، من كتاب الطلاق. الموطأ ٢/ ٥٦٧. والإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٢٧، ٦٤، ٧١، ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>