للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومحمدُ بن مَسْلَمةَ، وأبو عُبَيْدٍ، وإسحاقُ. واحْتَجَّ أبو عُبَيْدٍ بِكُتُبِ رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى عُمَّالِه وأُمَرَائِه، في أمْرِ وِلَايَتِه وأحْكامِه وسُنَنِه (١٠)، ثم ما عَمِلَتْ به الخُلَفاءُ الراشِدُونَ المَهْدِيُّونَ بعدَه من كُتُبِهِم إلى وُلَاتِهِم، بالأحْكامِ التي فيها الدِّمَاءُ والفُرُوجُ والأمْوال، يَبْعَثُونَ بها مَختُومةً، لا يَعْلَمُ حامِلُها ما فيها، وأمْضَوْهَا على وُجُوهِها، وذَكَرَ اسْتِخْلَافَ سليمانَ بن عبد المَلِكِ عمرَ بن عبد العَزِيزِ، بكِتَابٍ كَتَبَه، وخَتَمَ عليه، ولا نَعْلَمُ أحَدًا أنْكَرَ ذلك مع شُهْرَتِه وانْتِشَارِه في عُلَمَاءِ العَصْرِ، فكان إجْماعًا. ووَجْهُ الأوّلِ أنَّه كِتَابٌ لا يَعْلَمُ الشَّاهِدُ ما فيه، فلم يَجُزْ أن يَشْهَدَ عليه، ككِتابِ القاضي إلى القاضي، فأمَّا ما ثَبَتَ من الوَصِيَّةِ، بِشَهَادَةٍ أو إقْرارِ الوَرَثةِ به، فإنَّه يَثْبُتُ حُكْمُه ويُعْمَلُ به، ما لم يُعْلَمْ رُجُوعُه عنه، وإن طالَتْ مُدَّتُه، وتَغَيَّرتْ أحْوالُ المُوصى به، مثل أن يُوصِىَ في مَرَضٍ فيَبْرَأَ منه، ثم يَمُوتَ بعدُ أو يُقْتَلَ؛ لأنَّ الأصْلَ بقَاؤُه، فلا يَزُولُ حُكْمُه بمُجَرَّدِ الاحْتِمالِ والشّكِّ، كسائِرِ الأحْكامِ.

فصل: ويُسْتَحَبُّ أن يَكْتُبَ المُوصِى وَصِيَّتَه، ويُشْهِدَ عليها؛ لأنَّه أحْفَظُ لها. وأحْوَطُ لما فيها. وقد صَحَّ أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَهُ شَىْءٌ يُوصِى فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إلَّا ووَصِيَّتُه مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ" (١١). ورُوِى عن أنَسٍ، أنَّه قال:


(١٠) انظر ما أخرجه البخاري، في: باب ما يذكر في المناولة وكتاب أهل العلم. . .، من كتاب العلم، وفى: باب دعوة اليهودى والنصرانى. . .، من كتاب الجهاد، وفي: باب اتخاذ الخاتم ليختم به. . .، من كتاب اللباس، وفى: باب كتاب الحاكم. . .، من كتاب الأحكام. صحيح البخاري ١/ ٢٥، ٢٦، ٤/ ٥٤، ٧/ ٢٠٣، ٩/ ٩٣، ٩٤. ومسلم، في: باب القسامة، من كتاب القسامة، وفي: باب اتخاذ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خاتما. . .، من كتاب اللباس. صحيح مسلم ٣/ ١٢٩٤، ١٦٥٧. وأبو داود، في: باب القتل بالقسامة، من كتاب الديات. سنن أبي داود ٢/ ٤٨٤، ٤٨٥. والترمذي، في: باب ما جاء في القسامة، من أبواب الديات. عارضة الأحوذى ٦/ ١٩٢، ١٩٣. والنسائي، في: باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر سهل فيه، من كتاب القسامة، وفي: باب صفة خاتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، من كتاب الزينة. المجتبى ٨/ ٧، ٨، ١٥١، ١٥٢. وابن ماجه، في: باب القسامة، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٩٢. والإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ١٦٨، ١٦٩، ١٨٠، ١٨١, ٢٢٣, ٢٧٥, ٤/ ٣.
(١١) تقدم تخريجه في صفحة ٣٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>