للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكفَّارِ، فيعْلمُ كثرَتَهم، فيُخَوِّفُ بهم. قال أحمد: إن كانُوا مُتَفَرِّقِين يرَى الجاسوسُ قِلَّتَهم. قال: وبلغَنِى عن الأَوْزاعِيّ، أنَّه قال في المساجِدِ التي بالثَّغْرِ: لو أنَّ لي عليها ولاية، لَسَمَّرْتُ أبوابَها - ولم يقُلْ: لخَرَّبْتُها - حتَّى تكونَ صلاتُهم في موضِعٍ واحدٍ، حتَّى إذا جاء النَّفِيرُ وهم مُتفرِّقُون، لم يكونُوا مثلَهم إذا كانوا في مَوْضعٍ واحدٍ.

فصل: وفي الحَرسِ في سبيلِ اللَّه فضلٌ كبيرٌ. قال ابن عباس: سمِعْتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "عَيْنَانِ لَا تَمَسَّهُمَا النَّارُ؛ عيْنٌ بَكَت مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ في سَبِيلِ اللهِ". روَاه التِّرْمِذِيُّ (٤١)، وقال: حديثٌ حسَنٌ غريبٌ. وقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رَحِمَ اللهُ حَارِسَ الْحَرَسِ" (٤٢). وعن سَهْلٍ بن الحَنْظَلِيَّةِ، أنَّهُم سارُوا مع رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومَ حُنَيْنٍ، فأَطنَبُوا السَّيْرَ حتَّى كان عشِيَّةً، قال: "مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟ " قال أَنَسُ بن أبي مَرْثَدٍ الغَنَوِيُّ: أنَا يا رسولَ اللَّه. قال: "فارْكَبْ". فرَكِبَ فرَسًا له، وجاءَ إلى رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال له: "اسْتَقْبِلْ هذَا الشِّعْبَ، حَتَّى تَكُونَ في أعْلَاهُ، ولَا نُغَرَّنَّ (٤٣) مِنْ قِبَلِكَ اللَّيْلَةَ". فلمَّا أصبْحْنَا، جاءَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى مُصَلَّاهُ، فركَعَ ركعَتَيْن، ثم قال: "هَلْ أَحْسَسْتُمْ فَارِسَكُمْ (٤٤)؟ " قالوا: لا. فثُوِّبَ بالصلاةِ، فجعلَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصَلِّي وهو يَلْتَفِتُ إلى الشِّعْبِ، حتَّى إذا قضَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاتَه وسَلَّمَ، قال: "أَبْشِرُوا، قَدْ جَاءَكُمْ فَارِسُكُمْ". فإذا هو قد جاءَ حتَّى وقَفَ على رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: إنِّي انْطَلَقْتُ حتى كنتُ في أعْلَى هذا الشِّعْبِ، حيثُ أمَرَنِى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما أصبحتُ اطَّلَعْتُ الشِّعْبَيْنِ كِلَيْهمَا، فنظرْتُ، فلم أرَ أحدًا. فقال له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هَلْ نَزَلْتَ اللَّيْلَةَ؟ " قال: لا، إلَّا مُصَلِّيًا أو قاضِيًا حاجَةً. فقال له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قَدْ أَوْجَبْتَ، فَلَا عَلَيْكَ أنْ لا تَعْمَلَ بَعْدَهَا". روَاه أبو


(٤١) في: باب ما جاء في فضل الحرس في سبيل اللَّه، من أبواب فضائل الجهاد. عارضة الأحوذى ٧/ ١٣٨.
(٤٢) أخرجه ابن ماجه، في: باب فضل الحرس والتكبير في سبيل اللَّه، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه ٢/ ٩٢٥. والدارمي، في: باب في الذي يسهر في سبيل اللَّه حارسا، من كتاب الجهاد. سنن الدارمي ٢/ ٢٠٣.
(٤٣) في م: "نفرق" تحريف.
(٤٤) في م زيادة: "الليلة". وليست في سنن أبي داود.

<<  <  ج: ص:  >  >>