للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

برِقِّه قبلَ دَعْوَاهُ. وإِنْ لم يَدَّعِ مِلْكَه، لكنَّه (٥٥) كان يَتَصَرَّفُ فيه بالاسْتِخْدَامِ وغيرِه، فهو كما لو ادَّعَى رِقَّه، ويُحْكَمُ له (٥٦) برِقِّه؛ لأنَّ اليَدَ دَلِيلُ المِلْكِ. فإِنَّ ادَّعَى أجْنَبِىٌّ نَسَبَه، لم يُقْبَلْ؛ لما فيه من الضَّرَرَ على السَّيِّدِ؛ لأنَّ النَّسَبَ مُقَدَّمٌ على الوَلاءِ فى المِيرَاثِ. فإنْ أقامَ البَيِّنَةَ بِنَسَبِه، ثَبُتَ، ولم يَزُلِ المِلْكُ عنه؛ لأنَّه يجوزُ أن يكونَ وَلَدَه (٥٧) وهو مَمْلُوكٌ، بأن يَتَزَوَّجَ بأُمِّه، أو يُسْبَى الصَّغِيرُ ثمَّ يُسْلِمَ أبوه، إِلَّا أَنْ يكونَ الأبُ عَرَبِيًّا، فلا يُسْتَرَقُّ ولدُه، فى رِوَايةٍ. وهو قَوْلُ الشَّافِعِىِّ القَديمُ. وإِنْ أقامَ بَيِّنَةً أَنَّه ابنُ حُرَّةٍ، فهو حُرٌّ؛ لأنَّ وَلَدَ الحُرَّةِ لا يَكُونُ إِلَّا حُرًّا. وإِنْ كان الصَّبِىُّ مُمَيِّزًا، يُعبِّرُ عن نَفْسِه، فادَّعَى مَنْ هو فى يَدِه رِقَّهُ، ولم يُعْرَفْ تَقَدُّمُ اليَدِ عليه قبَل تَمْييزِه (٥٨)، إِلَّا أَنَّنَا (٥٩) رَأَيْنَاهُ فى يَدِه وهما يَتَنازَعان، ففيه وَجْهَان، أحدُهما، لا يثْبُتُ مِلْكُه عليه؛ لأنَّه مُعْرِبٌ عن نَفْسِه، ويدَّعِى الحُرِّيَّة، أشْبَهَ البَالِغ. والثَّانِى، يثْبُتُ مِلْكُه عليه؛ لأنَّه صَغِيرٌ ادَّعَى مِلْكَه (٦٠) وهو فى يَدِه، فأشْبَهَ الطِّفْلَ. فأمَّا البَالِغُ إذا ادَّعَى رِقَّه فأنْكَرَ، لم يثْبُتْ رِقُّه إِلَّا ببَيِّنَةٍ. وإن لم تكُنْ بَيِّنَةٌ، فالْقَوْلُ قَوْلُه مع يَمِينِه فى الحُرِّيَّة؛ لأنَّها الأَصْلُ. وهذا الفَصْلُ بجَمِيعِه مذهبُ الشَّافِعِىِّ، وأبى ثَوْرٍ، وأصْحَابِ الرَّأْىِ، إِلَّا أَنَّ أصْحَابَ الرَّأْىِ قالوا: مَتَى أقامَ إنسانٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ ولدُه، ثَبَتَ النَّسَبُ والحُرِّيَّةُ؛ لأنَّ ظُهُورَ الحُرِّيَّةِ فى وَلَدِ الحُرِّ أكثرُ من احْتِمالِ الرِّقِّ الحَاصِل باليَدِ، لا سِيَّما إذا لم يُعْرَفْ من الرَّجُلِ كُفْرٌ، ولا تَزَوَّج بأمَةٍ، فلا يَبْقَى (٦١) احْتِمالُ الرِّقِّ. وهذا القَوْلُ هو الصَّوَابُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالى.

فصل: وإِنْ ادَّعَى اثْنَان رِقَّ بالِغٍ فى أَيْدِيهما، فأنْكَرَهما، فالقَوْلُ قَوْلُه معِ يَمِينِه. وإِنْ اعْتَرَفَ لهما بالرِّقِّ، ثبَتَ رِقُّه. فإن ادَّعَاه كُلُّ وَاحِدٍ منهما لِنَفْسِه، فاعْتَرَف لأحَدِهما، فهو لمَن اعْتَرَفَ له. وبهذا قالَ الشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يكونُ بينهما نِصْفَيْن؛ لأنَّ


(٥٥) فى م: "لأنه".
(٥٦) سقط من: الأصل، أ، ب.
(٥٧) سقط من: الأصل.
(٥٨) فى الأصل: "تميزه".
(٥٩) فى م زيادة: "إن".
(٦٠) فى أ، ب، م: "رقه".
(٦١) فى أ، ب، م: "ينفى".

<<  <  ج: ص:  >  >>