للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وللْمَرْأةِ أن تَعْتَكِفَ فى كلِّ مسجدٍ. ولا يُشْتَرَطُ إقامَةُ الجماعةِ فيه؛ لأنَّها غيرُ واجِبَةٍ عليها. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وليس لها الاعْتِكافُ فى بَيْتِها. وقال أبو حنيفةَ، والثَّوْرِيُّ (١٢): لها الاعْتِكافُ فى مسجدِ بَيْتِها، وهو المَكَانُ الذى جَعَلَتْه لِلصلاةِ منه، واعْتِكافُها فيه أفْضَلُ؛ لأنَّ صَلاتَها فيه أفْضَلُ. وحُكِىَ عن أبي حنيفةَ، أنَّها لا يَصِحُّ اعْتِكافُها فى مسجدِ الجماعةِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرَكَ الاعْتِكافَ فى المسجدِ، لمَّا رَأَى أَبْنِيَةَ أزْوَاجِه فيه، وقال: "آلْبِرَّ تُرِدْنَ! " (١٣). ولأنَّ مسجدَ بَيْتِهَا مَوْضِعُ فَضِيلَةِ صَلاتِها، فكان مَوْضِعَ اعْتِكافِها، كالمسجدِ فى حَقِّ الرَّجُلِ. ولَنا، قَوْلُه تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}. والمُرادُ به المَواضِعُ التى بُنِيَتْ لِلصلاةِ فيها، ومَوْضِعُ صَلاتِها فى بَيْتِها ليس بِمَسجدٍ؛ لأنَّه لم يُبْنَ لِلصلاةِ فيه، وإن سُمِّىَ مسجدًا كان مَجَازًا، فلا يَثْبُتُ له أحْكامُ المساجِدِ الحَقِيقِيَّةِ، كقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "جُعِلَتْ لِىَ الأَرْضُ مَسْجِدًا" (١٤). ولأنَّ أزْواجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتأْذَنَّه فى الاعْتِكافِ فى المسجدِ، فأذِنَ لَهُنَّ، ولو لم يكنْ مَوْضِعًا لِاعْتِكافِهِنَّ، لَما أذِنَ فيه، ولو كان الاعْتِكافُ فى غيرِه أفْضَلَ لَدَلَّهُنَّ عليه، ونَبَّهَهُنَّ عليه، ولأنَّ الاعْتِكافَ قُرْبَةٌ يُشْتَرَطُ لها المسجدُ فى حَقِّ الرَّجُلِ، فيُشْتَرَطُ فى حَقِّ المَرْأةِ، كالطَّوافِ، وحدِيثُ عائشةَ حُجَّةٌ لنا؛ لما ذَكَرْنَا، وإنَّما كَرِهَ اعْتِكَافَهُنَّ فى تلك الحالِ، حيثُ كَثُرَتْ أَبْنِيَتُهُنَّ، لِما رأَى من مُنَافَسَتِهِنَّ، فكَرِهَهُ مِنْهُنَّ، خَشْيَةً عليهنَّ مِن فَسادِ نِيَّتِهِنَّ، وسُوءِ المَقْصِدِ به، ولذلك قال: "الْبِرَّ تُرِدْنَ! ". مُنْكِرًا لذلك، أى لم تَفْعَلْنَ ذلك تَبَرُّرًا، ولذلك تَرَكَ الاعْتِكافَ، لِظَنِّه أنَّهُنَّ يَتَنَافَسْنَ فى الكَوْنِ معه، ولو كان لِلْمَعْنَى الذى ذَكَرُوهُ، لأَمَرَهُنَّ بِالاعْتِكافِ


(١٢) سقط من: الأصل.
(١٣) تقدَّم تخريجه فى صفحة ٤٥٧.
(١٤) فى ازيادة: "وطهورا".
وتقدم تخريج الحديث فى ١/ ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>