للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ من نَحْفَظُ عنه من أهْلِ العِلْمِ أنَّ الذِّمِّيَّ لا يُعْطَى من زكاةِ الأمْوَالِ شيئًا. ولأنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لِمُعَاذٍ: "أعْلِمْهُمْ أنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِم، وتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِم" (١). فخَصَّهم بِصَرْفِها إلى فُقَرَائِهم، كما خَصَّهم بِوُجُوبِها على أغْنِيائِهم. وأمَّا المَمْلُوكُ فلا يَمْلِكُها بِدَفْعِها إليه، وما يُعْطاهُ فهو لِسَيِّدِه، فكأنَّه دَفَعَها إلى سَيِّدِه، ولأنَّ العَبْدَ يَجِبُ على سَيِّدِه نَفَقَتُه، فهو غَنِيٌّ بِغِنَاه (٢).

٤٢٧ - مسألة؛ قال: (إلَّا أنْ يَكُونُوا مِنَ العَامِلِينَ عَلَيْهَا، فَيُعْطَوْنَ بِحَقِّ مَا عَمِلُوا)

وجُمْلَتُه أَنَّه يجوزُ لِلْعَامِلِ أنْ يَأخُذَ عِمَالَتَه من الزكاةِ، سَوَاءٌ كان حُرًّا أو عَبْدًا. وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ أنَّه يجوزُ أن يكونَ كَافِرًا، وهذه (١) إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن أحمدَ؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} (٢). وهذا لَفْظٌ عَامٌّ يَدْخُلُ فيه كُلُّ عَامِلٍ على أيِّ صِفَةٍ كان. ولأنَّ ما يَأخُذُ على العِمَالَةِ أُجْرَةٌ لِعَمَلِه (٣)، فلم يُمْنَعْ من أخْذِه. كسائِرِ الإجارَاتِ. والرِّوَايَةُ الأخْرَى، لا يجوزُ أن يكونَ العَامِلُ كَافِرًا، لأنَّ من شَرْطِ العَامِلِ أن يكونَ أمِينًا، والكُفْرُ يُنَافِي الأمَانةَ. ويجوزُ أن يَكُونَ غَنِيًّا، وذَا قَرَابَةٍ لِرَبِّ المالِ. وقَوْلُه: "بحَقِّ ما عَمِلُوا" يعني يُعْطِيهِم بِقَدْرِ أُجْرَتِهم والإمَامُ مُخَيَّرٌ إذا بَعَثَ عَامِلًا؛ إن شاءَ اسْتَأْجَرَهُ إجارَةً صَحِيحَةً، ويَدْفَعُ إليه ما سَمَّى له، وإن شاءَ بَعَثَه بغيرِ إجَارَةٍ، ويَدْفَعُ إليه أجْرَ مِثْلِه. وهذا كان المَعْرُوفَ على عَهْدِ رسولِ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فإنَّه لم يَبْلُغْنَا أَنَّه قَاطَعَ أحَدًا من العُمَّالِ على أجْرٍ، وقد رَوَى أبو دَاوُدَ (٤)، بإسنادِهِ عن ابْنِ السَّاعِدِيِّ (٥)، قال: اسْتَعْمَلَنِي عمرُ على الصَّدَقَةِ،


(١) تقدم تخريجه في صفحة ٥.
(٢) في أ، ب، م: "بغنائه".
(١) في الأصل، ب: "وهو".
(٢) سورة التوبة ٦٠.
(٣) في أ، م: "عمله".
(٤) في: باب في الاستعفاف، من كتاب الزكاة. سنن أبي داود ١/ ٣٨٣.
(٥) قال القاضي عياض: الصواب ابن السعدي، كما في الرواية الأخرى، واسمه قدامة. وقيل: عمرو، وإنما قيل =

<<  <  ج: ص:  >  >>