للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَصَدَّقْتُ به عليك. صَحَّ، فإنَّ القُرْآن وَرَدَ في الإِبْراءِ بِلَفْظِ الصَّدَقةِ، بقَوْلِ اللَّه تعالى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} (٢٨). وإن قال: عَفَوْتُ لك عنه. صَحَّ؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} (٢٩). يَعْنِى به الإِبْراءَ من الصَّدَاقِ. وإن قال: أسْقَطْتُه عنك. صَحَّ؛ لأنَّه أتَى بحَقِيقَةِ اللَّفْظِ المَوْضُوعِ له. وإن قال: مَلَّكْتُكَ إيَّاهُ. صَحَّ؛ لأنَّه بمَنْزِلَةِ هِبَتِه إيَّاه.

فصل: وإن وَهَبَ الدَّيْنَ لغير مَنْ هو في ذِمَّتِه، أو بَاعَه إيَّاه، لم يَصِحَّ. وبه قال في البَيْعِ أبو حنيفةَ، والثَّوْرِىُّ، وإسحاقُ. قال أحمدُ: إذا كان لك على رَجُلٍ طَعَامٌ قَرْضًا، فَبِعْهُ مِن الذي هو عليه بنَقْدٍ، ولا تَبِعْه من غيرِه بِنَقْدٍ ولا نَسِيئةٍ، وإذا أقْرَضْتَ رَجُلًا دَرَاهِمَ أو دَنَانِيرَ، فلا تَأْخُذْ من غيرِه عَرْضًا بما لَكَ عليه. وقال الشافِعِىُّ: إن كان الدَّيْنُ على مُعْسِرٍ، أو مُمَاطِلٍ، أو جاحِدٍ له، لم يَصِحَّ البَيْعُ؛ لأنَّه مَعْجُوزٌ عن تَسْلِيمِه، وإن كان على مَلِىءٍ باذِلٍ له، ففيه قَوْلانِ؛ أحدُهما، يَصِحُّ؛ لأنَّه ابْتاعَ بمالٍ ثابِتٍ في الذِّمَّةِ، فَصَحَّ، كما لو اشْتَرَى في ذِمَّتِه، ويُشْتَرَطُ أن يَشْتَرِيَهُ بِعَيْنٍ، أو يَتَقَابَضَانِ في المَجْلِسِ، لئلَّا يكونَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. ولَنا، أنَّه غيرُ قادِرٍ على تَسْلِيمِه، فلم يَصِحَّ، كبَيْعِ الآبِقِ. فأمَّا هِبَتُه، فيَحْتَمِلُ أن لا تَصِحَّ، كالبَيْعِ، ويَحْتَمِلُ أن تَصِحَّ؛ لأنَّه لا غرَرَ فيها على المُتَّهِبِ، ولا الوَاهِبِ، فتَصِحُّ (٣٠)، كهِبَةِ الأعْيانِ (٣١).

فصل (٣٢): تَصِحُّ البَرَاءةُ من المَجْهُولِ، إذا لم يكُنْ لهما سَبِيلٌ إلى مَعْرِفَتِه. وقال أبو حنيفةَ: تَصِحُّ مُطْلَقًا. وقال الشافِعِىُّ: لا تَصِحُّ، إلَّا أنَّه إذا أرادَ ذلك قال: أبْرَأْتُكَ من دِرْهَمٍ إلى ألْفٍ. لأنَّ الجَهالةَ إنَّما مُنِعَتْ لأجْلِ الغَرَرِ، فإذا رَضِىَ بالجُمْلةِ، فقد زالَ الغَرَرُ، وصَحَّتِ البَراءةُ. ولَنا، أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لِرَجُلَيْنِ اخْتَصَما إليه في مَوَارِيثَ


(٢٨) سورة النساء ٩٢.
(٢٩) سورة البقرة ٢٣٧.
(٣٠) في الأصل: "فصح".
(٣١) في الأصل: "الأثمان".
(٣٢) هذا الفصل كله سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>