للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكل حالٍ، أنْبَتَهُ الآدَمِيُّونَ، أو نَبَتَ بِنَفْسِه؛ لِعُمُومِ قَوْلِه عليه السَّلَامُ: "لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا". ولأنَّها شَجَرَةٌ نَابِتَةٌ فى الحَرَمِ، أشْبَهَ ما لم يُنْبِتْه الآدَمِيُّونَ. وقال أبو حنيفةَ: لا جَزَاءَ فيما يُنْبِتُ الآدَمِيُّونَ جِنْسَه، كالجَوْزِ واللَّوْزِ والنَّخْلِ ونحوِه، ولا يَجِبُ فيما يُنْبِتُه الآدَمِيُّ مِن غيرِه، كَالدَّوْحِ وَالسَّلَمِ والعِضَاهِ (٢)؛ لأنَّ الحَرَمَ يَخْتَصُّ تَحْرِيمُه ما كان وَحْشِيًّا من الصَّيْدِ، كذلك الشَّجَرُ. وقَوْلُ الخِرَقِىِّ: "ومَا زَرَعَهُ الإِنْسَانُ" يَحْتَمِلُ اخْتِصَاصَه بِالزَّرْعِ دُونَ الشَّجَرِ، فيكونُ كقَوْلِ الشَّافِعِىِّ. ويَحْتَمِلُ أن يَعُمَّ جَمِيعَ ما يُزْرَعُ، فيَدْخُلُ فيه الشَّجَرُ، ويَحْتَمِلُ أن يُرِيدَ ما يُنْبِتُ الآدَمِيُّونَ جِنْسَه. والأوْلَى الْأخْذُ بِعُمُومِ الحَدِيثِ فى تَحْرِيمِ الشَّجَرِ كُلِّهِ، بِقَوْلِه عليه السَّلَامُ: "لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا". إلَّا ما أَنْبَتَه الآدَمِىُّ مِن جِنْسِ شَجَرِهِم، بِالقِياسِ على ما أَنْبَتُوهُ من الزَّرْعٍ، والأَهْلِيِّ من الحَيَوانِ، فإنَّنا إنَّما أخْرَجْنَا من الصَّيْدِ ما كان أَصْلُه إِنْسِيًّا، دون ما تَأَنَّسَ من الوَحْشِىِّ، كذا هاهُنا.

فصل: ويَحْرُمُ قَطْعُ الشَّوْكِ، والعَوْسَجِ (٣). وقال القاضى، وأبو الخَطَّابِ: لا يَحْرُمُ. ورُوِىَ ذلك عن عَطاءٍ، ومُجاهِدٍ، وعمرو بن دِينَارٍ، والشَّافِعِىِّ، لأنَّه يُؤْذِى بِطَبْعِه، فأشْبَه السِّبَاعَ من الحَيَوَانِ. ولَنا، قَوْلُ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يُعْضَدُ شَوْكُها (٤) ". وفى حديثِ أبي هُرَيْرَةَ: "لَا يُخْتَلَى شَوْكُها" (٥). وهذا صَرِيحٌ. ولأنَّ الغَالِبَ فى شَجَرِ الحَرَمِ الشَّوْكُ، فلما حَرَّمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَطْعَ شَجَرِها، والشَّوْكُ غَالِبُه، كان ظَاهِرًا فى تَحْرِيمِه.

فصل: ولا بَأْسَ بِقَطْعِ اليَابِسِ من الشَّجَرِ والحَشِيشِ؛ لأنَّه بِمَنْزِلَةِ المَيِّتِ. ولا


(٢) العضاه: من شجر الشوك، كالطلح والعوسج.
(٣) العوسج: من شجر الشوك، له ثمر مدور.
(٤) فى م: "شجرها".
وتقدم تخريج الحديث في صفحة ١٧٩.
(٥) تقدَّم تخريجه في صفحة ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>