للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الإِرشاد" على روايتَيْنِ؛ إحْداهما، يَقَعُ. وهو قولُ الشَّعْبىِّ، والنّخَعىِّ، والزُّهْرِىِّ، والحَكَمِ؛ لما ذكَرْنا. والثّانيةُ، لا يَقَعُ إلَّا بِنِيَّةٍ. وهو قولُ أبى حنيفةَ، ومالكٍ، ومَنْصوصُ الشّافعىِّ؛ لأنَّ الكتابةَ مُحْتَمِلَةٌ، فإنَّه يُقصَدُ بها تَجْرِبةُ القَلَمِ، وتجْويدُ الخَطِّ، وغَمُّ الأهلِ، فلم يَقَعْ [مِن غيرِ] (٢٩) نِيَّةٍ، ككناياتِ الطَّلاقِ. فإن نَوَى بذلك تَجْويدَ خَطِّه، أو تَجْرِبَةَ قَلَمِه، لم يَقَعْ؛ لأنَّه لو نَوَى باللَّفْظِ غيرَ الإِيقاعِ، لم يَقَعْ، فالكتابةُ أوْلَى. وإذا ادَّعى ذلك، دِينَ فيما بينَه وبين اللَّهِ تعالى، ويُقبَلُ أيضًا فى الحُكمِ فى أصَحِّ الوجهَيْنِ؛ لأنَّه يُقْبَلُ ذلك فى اللَّفظِ الصَّريحِ، فى أحدِ الوجهَيْنِ؛ فههُنا مع أنَّه ليس بلفظٍ أوْلَى. وإن قال: نَوَيتُ غمَّ أهلى. فقد قال، فى روايةِ أبى طالبٍ، فى مَن كتبَ طلاقَ زوجتِه، ونَوَى الطَّلاقَ: وقَعَ، وإن أرادَ أَنْ يَغُمَّ أهلَه، فقد عَمِلَ فى ذلك أيضًا. يعنى أنَّه يُؤاخَذُ به؛ لقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ اللَّه عَفَا لِأُمَّتِى عَما حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَهَا مَا لَمْ تَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ" (٣٠). فظاهِرُ هذا أنَّه أوْقَعَ الطّلاقَ؛ لأنّ غَمَّ أهلِه يَحْصُلُ بالطّلاقِ، فيَجتَمِعُ غمُّ أهلِه ووُقُوعُ (٣١) طلاقِه، كما لو قال: أنتِ طالقٌ. يريدُ به غَمَّها. ويَحْتَمِلُ أن لا يقعَ؛ لأنَّه أرادَ غمَّ أهلِه بِتَوَهُّمِ الطَّلاقِ، دُونَ حقيقتِه، فلا يَكونُ ناويًا للطَّلاقِ، والخبرُ إنَّما يَدُلُّ على مؤاخذتِه بما نَواهُ عندَ العملِ به، أو الكلامِ، وهذا لم يَنْوِ طَلاقًا، فلا يُؤاخَذُ به.

فصل: وإن كتَبَه بشىءٍ لا يَبِينُ، مثل أَنْ كتَبَ (٣٢) بأُصْبُعِه على وِسادَةٍ، أو فى (٣٣) الهواءِ، فظاهرُ كلامِ أحمدَ، أنَّه لا يَقعُ. وقال أبو حفصٍ العُكْبَرِىُّ: يَقَعُ (٣٤). ورَوَاه الأثْرَمُ عن الشَّعْبىِّ؛ لأنَّه كَتَبَ حروفَ الطَّلاقِ، فأشْبَهَ ما لو كتَبَه بشىءٍ يَبِينُ. والأوَّلُ


(٢٩) فى أ: "بغير".
(٣٠) تقدم تخريجه فى: ٩/ ٢٧٢. وانظر: ١/ ١٤٦.
(٣١) فى أ، ب، م: "ووقع".
(٣٢) فى ب، م: "كتبه".
(٣٣) سقط من: ب، م.
(٣٤) فى أزيادة: "به".

<<  <  ج: ص:  >  >>