للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَحَّ، وإلَّا بَطَلَ. وهذا مذهبُ أبي حنيفةَ. والقولُ فيه كالقولِ في البَيْعِ، على ما تَقَدَّمَ.

فصل: قال القاضي: إذا قال لِرَجُلٍ: اشْتَرِ لِى (٥) بِدَيْنِى عليك طَعَامًا. لم يَصِحَّ. ولو قال: اسْتَلِفْ (٦) لي ألْفًا من مَالِكَ في كُرِّ (٧) [طَعَامٍ. ففَعَلَ، يَصِحَّ؛ لأنَّه لا يجوزُ أن يَشْتَرِىَ الإِنسانُ بمالِه ما يَمْلِكُه غيرُه. وإن قال: اشْتَرِ لي في ذِمَّتِكَ. أو قال: اسْتَلِفْ (٦) لي ألْفًا في كُرِّ طَعَامٍ] (٨)، واقْضِ الثمَنَ عَنِّى من مَالِكَ، أو من الدَّيْنِ الذي لي عليك. صَحَّ؛ لأنَّه إذا اشْتَرَى في الذِّمَّةِ حَصَلَ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ والثَّمَنُ عليه، فإذا قَضَاهُ من الدَّيْنِ الذي عليه، فقد دَفَعَ الدَّيْنَ إلى مَنْ أمَرَهُ صاحِبُ الدَّيْنِ بِدَفْعِه إليه، وإن قَضَاهُ من مَالِه عن دَيْنِ السَّلَفِ الذي عليه، صارَ قَرْضًا عليه.

فصل: ولا يَمْلِكُ الوَكِيلُ من التَّصَرُّفِ إلَّا ما يَقْتَضِيهِ إِذْنُ مُوَكِّلِه، من جِهَةِ النُّطْقِ، أوٍ من جِهَةِ العُرْفِ؛ لأنَّ تَصَرُّفَه بالإِذْنِ، فاخْتَصَّ بما أَذِنَ فيه، والإِذْنُ يُعْرَفُ بالنُّطْقِ تارَةً وبالعُرْفِ أُخْرَى. ولو وَكَّلَ رجلًا في التَّصَرُّفِ في زَمَنٍ مُقَيَّدٍ، لم يَمْلِكِ التَّصَرُّفَ قَبْلَهُ ولا بعدَه؛ لأنَّه لم يَتَناوَلْهُ إِذْنُه نُطْقًا (٩) ولا عُرْفًا؛ لأنَّه قد يُؤْثِرُ التَّصَرُّفَ في زَمَنِ الحاجَةِ إليه دونَ غيرِه، ولهذا لمَّا عَيَّنَ اللهُ تعالى لِعِبادَتِه وَقْتًا، لم يَجُزْ تَقْدِيمُها عليه ولا تَأْخِيرُها عنه. فلو قال له: بِعْ ثَوْبِى غَدًا. لم يَجُزْ بَيْعُه اليَوْمَ ولا بعدَ غَدٍ. وإن عَيَّنَ له المَكانَ، وكان يَتَعلَّقُ به غَرَضٌ، مثل أن يَأْمُرَهُ ببَيْعِ ثَوْبِه في سُوقٍ، وكان ذلك السُّوق مَعْرُوفًا بِجَوْدَةِ النَّقْدِ، أو كَثْرَةِ الثمَنِ، أو حِلِّه، أو بِصَلاحِ أهْلِه، أو بِمَوَدَّةٍ بين المُوَكِّلِ وبينهم، تَقَيَّدَ الإِذْنُ به؛ لأنَّه قد نَصَّ على أمْرٍ له فيه غَرَضٌ، فلم يَجُزْ تَفْوِيتُه. وإن كان هو وغيرُه سواءً في الغَرَضِ، لم يَتَقَيَّد الإِذْنُ به، وجازَ له البَيْعُ في غيرِه؛ لِمُسَاوَاتِه


(٥) سقط من: م.
(٦) في م: "تسلف".
(٧) الكر: أربعون إردبا.
(٨) سقط من: ب. نقل نظر.
(٩) في م: "مطلقا".

<<  <  ج: ص:  >  >>