للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتِمتاعٍ، فهو كالقُبْلةِ. قال القاضى: يَحْتَمِل أنَّ هذا يَنْبَنِى على ثُبُوتِ تَحْرِيمِ المُصاهَرةِ بذلك، وفيه رِوَايتان، فيكونُ فى تَكْمِيلِ الصَّداقِ به وَجْهان؛ أحدهما، يَكْمُلُ به الصَّداقُ؛ لما رَوَى الدَّارَقُطْنِىُّ (١٤)، عن محمدِ بن عبد الرحمنِ بن ثَوْبانَ، قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ كَشَفَ خِمارَ امْرَأةٍ، ونَظَرَ إلَيْهَا، وَجَبَ الصَّدَاقُ، دَخَلَ بِهَا، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ". ولأنَّه مَسِيسٌ، فيدْخُلُ فى قوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} (١٥). ولأنَّه اسْتِمتاعٌ بامْرَأتِه، فَكَمَلَ به الصَّداقُ، كالوَطْءِ. والوَجْهُ الآخرُ: لا يَكْمُلُ به الصَّداقُ. وهو قولُ أكثرِ الفُقَهاءِ؛ لأنَّ قولَه تعالى: {تَمَسُّوهُنَّ}. إنَّما أُرِيدَ به فى الظَّاهرِ الجِماعُ، ومُقْتَضَى قولِه: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}. أن لا يَكْمُلَ الصَّداقُ لغيرِ مَنْ وَطِئَها، ولا تجِبُ عليها العِدَّةُ، تُرِكَ عُمُومُه فى مَن خَلَا بها، للإجْماعِ الواردِ عن الصَّحابةِ، فيَبْقَى فيما عَدَاه علَى مُقْتَضَى العُمُومِ.

فصل: إذا دَفَعَ زَوْجَتَه، فأذْهَبَ عُذْرَتَها، ثم طَلَّقَها قبلَ الدُّخولِ، فليس عليه إلَّا نِصْفُ صَداقِها، وقال أبو يوسفَ، ومحمدٌ: عليه الصَّداقُ كاملًا؛ لأنَّه أذْهَبَ عُذْرَتَها فى نِكاحٍ صحيحٍ، فكان عليه المَهْرُ كاملًا، كما لو وَطِئَها. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} (١٥). وهذه مُطَلَّقة قبلَ المَسيسِ، فأشْبَه ما لو لم يَدْفَعْها، ولأنَّه أتْلَفَ ما يَسْتَحِقُّ إتْلافَه بالعَقْدِ، فلم يَضْمَنْه لغيرِه، كما لو أتلَفَ عُذْرَةَ أمَتِه. ويتَخَرّجُ أن يَجِبَ لها الصَّداقُ كاملًا؛ لأنَّ أحمدَ قال: إن فَعَلَ ذلك أجْنَبِىٌّ، عليه الصَّداقُ. ففيما إذا فَعَلَه الزوجُ أَوْلَى، فإنَّ ما يجبُ به الصَّداقُ ابْتداءً أحَقُّ بتَقْرِيرِ الصَّداقِ (١٦). ونَصَّ أحمدُ فى مَن


(١٤) فى: باب المهر، من كتاب النكاح. سنن الدارقطنى ٣/ ٣٠٧.
(١٥) سورة البقرة ٢٣٧.
(١٦) فى ب، م: "المهر".

<<  <  ج: ص:  >  >>