للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه، فأشْبَهَ ما لو وَقَفَ في مَشْرَعةِ الماءِ لغيرِ حاجةٍ. وإن أطَالَ المُقَامَ والأخْذَ، احْتَمَلَ أن يُمْنَعَ؛ لأنَّه يَصِيرُ كالمُتَمَلِّكِ له. واحْتَمَلَ أن لا يُمْنَعَ؛ لإِطْلَاقِ الحَدِيثِ. وإن اسْتَبَقَ إليه اثْنانِ، وضَاقَ المكانُ عنهما، أُقْرِعَ بينهما؛ لأنَّه لا مَزِيَّةَ لأحَدِهِما على صاحِبِه. ويَحْتَمِلُ أن يُقْسَمَ بينهما؛ لأنَّه يُمْكِنُ قِسْمَتُه، وقد تَسَاوَيا فيه، فيُقْسَمُ بينهما، كما لو تَدَاعيَا عَيْنا في أيْدِيهِما ولا بَيِّنَةَ لأحَدِهِما بها. ويَحْتَمِل أن يُقَدِّمَ الإِمَامُ مَنْ يَرَى منهما؛ لأنَّ له نَظَرًا. وذَكَرَ القاضي وَجْهًا رابِعًا، وهو أنَّ الإِمامَ يَنْصِبُ مَن يَأْخُذُ لهما، ويَقْسِمُ بينهما. وهذا التَّفْصِيلُ مذهبُ الشَّافِعِىِّ.

فصل: وما نَضَبَ عنه الماءُ من الجَزَائِرِ، لم يُمْلَكْ بالإِحْياءِ. قال أحمدُ، في رِوَايةِ العَبّاسِ ابن موسى (٢٦): إذا نَضَبَ الماءُ عن جَزِيرَةٍ، إلى قَناةِ (٢٧) رَجُلٍ، لم يَبْنِ فيها؛ لأنَّ فيه ضَرَرًا، وهو أنَّ الماءَ يَرْجِعُ. يعني أنَّه يَرْجِعُ إلى ذلك المكانِ، فإذا وَجَدَه مَبْنِيًّا، رَجَعَ إلى الجانِبِ الآخَر، فأضَرَّ بأهْلِه. ولأنَّ الجَزَائِرَ مَنْبِتُ الكَلَإِ والحَطَبِ، فجَرَتْ مَجْرَى المعَادِنِ الظاهِرَةِ، وقد قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا حِمًى فِي الْأَرَاكِ" (٢٨). وقال أحمدُ، في رِوَايةِ حَرْبٍ: يُرْوَى عن عمرَ، أنَّه أبَاحَ (٢٩) الجَزَائِرَ. [يَعْنِى أبَاحَ ما يَنْبتُ] (٣٠) في الجَزائِرِ من النَّباتِ، وقال: إذا نَضَبَ الفُرَاتُ عن شيء، ثم نَبَتَ فيه (٣١) نَبَاتٌ، فجاءَ رَجُلٌ فمنَع (٣٢) الناسَ منه، فليس له ذلك. فأمَّا إن غَلَبَ الماءُ على مِلْكِ إنْسانٍ، ثم عادَ فنَضَبَ عنه، فله أخْذُه، فلا يَزُولُ مِلْكُه بِغلَبةِ الماءِ عليه. وإن


(٢٦) العباس بن محمد بن موسى الخلال، بغدادى، من أصحاب الإِمام أحمد الأولين، الذين كان يعتد بهم، وله مسائل عن أبي عبد اللَّه، يقول فيها: قبل الحبس وبعده. طبقات الحنابلة ١/ ٢٣٩.
(٢٧) في ب، م: "فناء".
(٢٨) تقدم في صفحة ١٥٥.
(٢٩) في الأصل زيادة: "ما نبت".
(٣٠) سقط من: الأصل.
(٣١) في ب، م: "عن".
(٣٢) في ب، م: "يمنع".

<<  <  ج: ص:  >  >>