فعَطِب به، فقال القاضي، وأصحابُ الشَّافِعِىِّ: على السُّلطانِ ضَمانُه؛ لأنَّ عليه طاعَةَ إمامِه، فإذا أفْضَتْ طاعتُه إلى الهلاكِ، فكأنَّه ألْجأَه إليه. ولو كانَ الآمِرُ غيرَ الإِمامِ، لم يَضْمَنْ؛ لأنَّ طاعتَه غيرُ لازمَةٍ، فلم يُلْجِئْه إليه. وإن أمرَه السُّلطانُ بالمُضِىِّ في حاجَةٍ، فعَثَرَ فَهَلَكَ، لم يَضْمَنْه؛ لأنَّ المشْىَ ليس بسببِ الهلاكِ في الأعَمِّ الأغْلَبِ، بخلافِ ما ذكرْناه أوَّلًا. فعلى هذا، إن كان أمرُه الموجِبُ للضَّمانِ لمصلحةِ المسلمين، فالضمانُ في بيتِ المالِ، وإن كان لمصلحةِ نَفْسِه، فالضَّمَانُ عليه، أو على عاقلَتِه، إن كان ممَّا تَحْمِلُه عاقلَتُه. وإن أقامَ الإِمامُ الحَدَّ في شدَّةِ حَرٍّ أو بَرْدٍ، أو ألْزَمَ إنسانًا الخِتانَ في ذلك، فهل يَضْمَنُ ما تَلِفَ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهين.
وجملتُه أنَّ الإِنسانَ إذا صالَتْ عليه بَهيمةٌ، فلم يُمْكِنْهُ دَفْعُها إلَّا بقَتْلِها، جازَ له قَتْلُها إجْماعًا، وليس عليه ضَمَانُها إذا كانتْ لغيرِه. وبهذا قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وإسْحاقُ. وقال أبو حنيفةَ وأصْحابُه: عليه ضَمانُها؛ لأنَّه أَتْلَفَ مالَ غيرِه لإِحْياءِ نفسِه، فكان عليه ضَمانُه، كالمُضْطَرِّ إلى طَعامِ غيرِه إذا أكلَه. وكذلك قالوا في غيرِ المُكلَّفِ من الآدَمِيِّين، كالصَّبِىِّ والمجنونِ: يجوزُ قتلُه، ويضْمَنُه؛ لأنَّه لا يملِكُ إباحَةَ نفسِه، ولذلك لو ارْتَدَّ، لم يُقْتَلْ. ولَنا، أنَّه قتلَه بالدَّفْعِ الجائِزِ، فلم يَضْمَنْه، كالعبدِ، ولأنَّه حيوانٌ، جازَ إتلافُه، فلم يَضْمَنْه، كالآدَمِىِّ المُكلَّفِ، ولأنَّه (١) قتلَه لدفعِ شَرِّهِ، فأشْبَهَ العَبْدَ؛ وذلك لأنَّه إذا قتلَه لدَفْعِ شَرِّه، كان الصائِلُ هو القاتلُ لنفسِه، فأشْبَهَ ما لو نَصَبَ حَرْبَةً في طريقِه، فَقَذَفَ نفسَه عليها، فماتَ بها. وفارقَ المُضْطَرَ؛ فإنَّ الطَّعَامَ لم يُلْجِئْهُ إلى إتْلافِه، ولم يَصْدُرْ منه ما يُزِيلُ عِصْمَتَه، ولهذا لو قَتَلَ المُحْرِمُ صيدًا لصِيَالِه لم يَضْمَنْه، ولو قتلَه لاضْطرارِه إليه، ضَمِنَه، ولو قَتَلَ المكلَّفَ لصِيَالِه، لم يَضْمَنْه،