للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَخَصَّصَ قاتِلُ العَمْدِ بالإِجْماعِ، فوجَبَ البقاءُ على الظَّاهرِ فيما سِواهُ. ولَنا؛ الأحاديثُ المذكورةُ، ولأنَّ مَنْ لا يَرِثُ منَ الدِّيَةِ لا يرِثُ منْ غَيْرِها، كقاتلِ العَمْدِ، والمُخالفِ فى الدِّينِ، والعُموماتُ مُخصَّصةٌ بما ذكَرْناه.

فصل: والقتلُ المانِعُ مِنَ الإرْثِ هو القَتْلُ بِغيرِ حَقٍّ، وهو المضمونُ بِقَوَدٍ، أو دِيَةٍ، أو كفّارَةٍ، كالعَمْدِ، وشِبْهِ العَمْدِ، والخَطَأِ، وما أُجْرِىَ (٥) مُجْرَى الخطأِ؛ كالقَتْلِ بالسَّبَبَ، وقَتْلِ الصَّبِىِّ، والمجْنونِ، والنَّائمِ، وما ليس بمَضْمونٍ بشىءٍ مما ذكرْنا لم يَمْنَعِ الميراثَ؛ كالقَتْلِ قِصاصًا أو حَدًّا، أو دَفْعًا عن نفسِه، وقتْلِ العادلِ الباغِىَ، أو مَنْ قَصَدَ مَصْلَحَةَ مُوَلِّيه بما لَهُ فِعْلُه؛ مِنْ سَقْى دواءٍ، أو بَطِّ خُرَاجٍ، فماتَ. ومَنْ أَمرَه إنسانٌ عاقلٌ كبيرٌ بِبَطِّ خُرَاجِه، أو قَطْعِ سَلْعَةٍ منه، فتَلِفَ بذلك، وَرِثَه فى ظاهرِ المذْهَبِ. قال أحمدُ: إذا قَتَلَ العادِلُ الباغِىَ فى الحربِ يرِثُه. ونقل محمدُ بنُ الحَكَمِ عن أحمدَ، فى أرْبعَةٍ شَهِدوا على أُخْتِهم بالزِّنَى، فرُجِمَتْ، فَرَجَمُوا مع النَّاس: يَرِثونَها هم غيْرُ قَتَلَةٍ. وعن أحمدَ، روايةٌ أُخْرَى، تَدُلُّ على أن القتْلَ يَمْنَعُ الميراثَ بكلِّ حالٍ، فإنَّه قال، فى روايةِ ابنيْه صالحٍ، وعبدِ اللَّهِ: لا يَرِثُ العادِلُ الباغِىَ، ولا يَرِثُ (٦) الباغِى العادلَ. وهذا يدلُّ على أَنَّ القتْلَ يَمْنَعُ الميراثَ بكلِّ حالٍ. وهذا ظاهرُ مذهبِ الشَّافعىِّ، أخذًا بظاهرِ لَفْظِ الحديثِ، ولأنَّهُ قاتلٌ، فأشْبَهَ الصَّبِيَّ، والمجنونَ. وقال أبو حنيفةَ، وصاحباه: كُلُّ قَتْل لا مأثَمَ فيهِ لا يَمْنَعُ الميراثَ، كقَتْلِ الصَّبِىِّ، والمجنونِ والنَّائمِ، والسَّاقِطِ على إنسانٍ من غيرِ اخْتيارٍ منه، وسائقِ الدَّابَّةِ، وقائدِها، وراكِبها، إذا قتَلتْ بيَدِها، أو فِيها، فإنَّه يَرِثُه؛ لأنَّه قتل غيرُ مُتَّهَمٍ فيه، ولا مَأْثمَ فيه، فأشْبَهَ القتلَ فى الحدِّ. ولَنا، على أبى حنيفةَ وأصحابِه عمومُ الأخْبارِ، خصَّصنا منها القَتْلَ الذى لا يُضْمَنُ، ففيما عَداه يَبْقَى على مُقتضاها، ولأنَّه قَتْلٌ مضمونٌ فيمنعُ الميراثَ كالخطأِ. ولَنا، على الشّافعىِّ، أنَّه فِعْلٌ مَأذونٌ فيه، فلم يَمْنَعِ الميراثَ، كما لو أطْعَمه أو سَقاه


(٥) فى م: "جرى".
(٦) سقط من: الأصل، أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>