للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨٠١ - مسألة؛ قال: (فَإِنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ قَدْ تَلِفَ بَعْضُهَا، أوْ مَزِيدَةً (١) بِمَا لَا تَنْفَصِلُ زِيَادَتُها، أوْ نقَد بَعْضَ ثَمَنِهَا، كَانَ البائِعُ فِيهَا كَأُسْوَةِ الغُرَمَاءِ)

وجُمْلَةُ ذلك أنَّ البائِعَ إنَّما يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ فى السِّلْعَةِ بِخَمْسِ شَرَائِطَ؛ أحدُها، أن تكونَ السِّلْعَةُ باقِيَةً بِعَيْنِها، لم يَتْلَفْ بعضُها، فإن تَلِفَ جُزْءٌ منها كبعضِ أطْرَافِ العَبْدِ، أو ذَهَبَتْ عَيْنُه، أو تَلِفَ بعضُ الثَّوْبِ، أو انْهَدَمَ بعضُ الدَّارِ، أو اشْتَرَى شَجَرًا مُثْمِرًا لم تَظْهَرْ ثَمَرَتُه، فتَلِفَتِ الثَّمرَةُ، أو نحوُ هذا، لم يكنْ لِلْبائِعِ الرُّجُوعُ، وكان أُسْوَةَ الغُرَمَاءِ. وبهذا قال إسحاقُ. وقال مالِكٌ، والأوْزَاعِىُّ، والشَّافِعِىُّ، والعَنْبَرِىُّ: له الرُّجُوعُ فى الباقِى، ويَضْرِبُ مع الغُرَمَاءِ بحِصَّةِ التَّالِفِ؛ لأنَّها عَيْنٌ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فى جَمِيعِها، فمَلَكَ الرُّجُوعَ فى بعضِها، كالذى له الخِيَارُ، وكالأبِ فيما وَهَبَ لِولَدِه. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ، فَهُوَ أحَقُّ به" (٢). فشَرَطَ أن يَجِدَه بِعَيْنِهِ، ولم يَجِدْهُ بِعَيْنِه. ولأنَّه إذا أَدْرَكَه بِعَيْنِه، حَصَلَ له بالرُّجُوعِ فَصْلُ الخُصُومَةِ، وانْقِطَاعُ ما بينهما من المُعامَلَةِ، بِخِلَافِ ما إذا وَجَدَ بَعْضَهُ. ولا فَرْقَ بينَ أن يَرْضَى بالمَوْجُودِ بجميعِ الثَّمَنِ، أو يَأْخُذَهُ بِقِسْطِه من الثَّمِنِ؛ لأنَّه فَاتَ شَرْطُ الرُّجُوعِ. وإن كان المَبِيعُ عَيْنَيْنِ، كعَبْدَيْنِ، أو ثَوْبَيْنِ تَلِفَ أحدُهما، أو بعضُ أحَدِهما، فَفِى جوازِ الرُّجُوعِ فى الباقِى منهما روايتانِ؛ إحْداهما، لا يَرْجِعُ. نَقَلَها أبو طَالِبٍ، عن أحمدَ، قال: لا يَرْجِعُ بِبَقِيَّةِ العَيْنِ، ويكونُ أُسْوَةَ الغُرَمَاءِ؛ لأنَّه لم يَجِدِ المَبِيعَ بِعَيْنِه، فأشْبَهَ ما لو كان عَيْنًا واحِدَةً. ولأنَّ بعضَ المَبِيعِ تَالِفٌ، فلم يَمْلِكِ الرُّجُوعَ، كما لو قُطِعَتْ يَدُ العَبْدِ. ونَقَلَ الحَسَنُ بن ثَوَابٍ (٣) عن أحمدَ، إن كان ثَوْبًا واحِدًا، فتَلِفَ بعضُه، فهو أُسْوَةُ


(١) فى أ: "متزيدة".
(٢) تقدم تخريجه فى صفحة ٥٣٩.
(٣) أبو على الحسن بن ثواب الثعلبى المخرمى، بغدادى ثقة، كان له بالإمام أحمد أُنْسٌ شديد، توفى سنة ثمان وستين ومائتين. طبقات الحنابلة ١/ ١٣١، ١٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>