للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجْهَهُ، ثم ضرب ضَرْبَةً أُخْرَى، فمسح ذِرَاعَيْهِ. رَوَاهُ أبو داود (١٤). ورَوَى الأَثْرَمُ، عن عُمَرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه قال: لا يَتَيَمَّمُ بالثَّلْجِ، فَمَنْ لم يَجِدْ، فضَفَّةُ سَرْجِهِ، أو مَعْرَفَةُ (١٥) دابَّتِهِ. وأجاز مالِكٌ، وأبو حنيفة، التَّيَمُّمَ بِصَخْرَةٍ لا غُبَارَ عليها، وتُرَابٍ نَديٍّ لا يَعْلَقُ باليَدِ منه غُبَارٌ. وأجازَ مالِكٌ التَّيَمُّمَ بالثَّلْجِ، والجِبْسِ، وكُلِّ ما تَصَاعَدَ على وَجْهِ الأرضِ. ولا يَجُوزُ عنده التَّيَمُّمُ بِغُبَارِ اللِّبْدِ والثَّوْبِ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمَّا ضَرَبَ بِيَدِهِ نَفَخَهُمَا. ولنَا، قَوْلُ اللهِ تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}. و"مِنْ" لِلتَّبْعِيضِ، فيَحْتَاجُ أنْ يَمْسَحَ بِجُزْءٍ منه، والنَّفْخُ لا يُزِيلُ الغُبَارَ المُلَاصِقَ، وذلك يَكْفِى.

فصل: إذا خَالَطَ التُّرَابُ ما لا يجوزُ التَّيَمُّم به، كالنُّورَةِ والزِّرْنِيخِ والجِصِّ، فقال القاضِى: حُكْمُهُ حُكْمُ الماءِ إذا خَالَطَتْه الطَّاهِراتُ، إنْ كانت الغَلَبَةُ للتُّرَابِ جاز، وإنْ كانت الغَلَبَةُ للمُخَالِطِ، لم يَجُزْ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَمْنَعُ، وإنْ كان قَلِيلًا. وهو مذهبُ الشَّافِعِىِّ. لأنَّه رُبَّما حَصَلَ في العُضْوِ، فمنَعَ وُصُولَ التُّرَابِ إليه. وهذا فيما يَعْلَقُ باليَدِ، فأمَّا ما لا يَعْلَقُ باليدِ، فلا يَمْنَعُ؛ فإنَّ أحمدَ قد نَصَّ على أنَّه يَجُوزُ التَّيَمُّم مِنَ الشَّعِيرِ؛ وذلك لأنَّهُ لا يَحْصُلُ على اليَدِ منه ما يَحُولُ بين الغُبَارِ وبينها.

فصل: إذا كان في طِينٍ لا يَجِدُ تُرَابًا، فحُكِىَ عن ابنِ عَبَّاسٍ أنَّه قال: يأْخُذُ الطِّينَ، فيَطْلِى به جَسَدَهُ. فإذا جَفَّ تَيَمَّمَ به. وإن خَافَ فَوَاتَ الوَقْتِ قبل جَفَافِهِ، فهو كالعَادِمِ. ويَحْتَمِلُ أنَّه إنْ كان يَجِفُّ قَرِيبًا انْتَظَرَ جَفَافَهُ، وإنْ فَاتَ الوَقْتُ؛ لأنَّه كَطَالِبِ الماءِ القَرِيبِ، والمُشْتَغِلِ بتَحْصِيلِهِ مِنْ بِئْرٍ ونَحْوِه. وإنْ لَطَخَ وَجْهَهُ بِطِينٍ، لم يُجْزِهِ؛ لأنَّه لم يَقَعْ عليه اسْمُ الصَّعِيدِ، ولأنَّه لا غُبَارَ فيه، أشْبَهَ التُّرَابَ النَّدِىَّ.

فصل: وإن عَدِمَ بكُلِّ حَالٍ صَلَّى على حَسَبِ حَالِه. وهذا قَوْلُ الشَّافِعِىِّ، وقال


(١٤) في: باب التيمم في الحضر، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود ١/ ٧٩.
(١٥) معرفة دابته: منبت عُرْفها من رقبتها. النهاية ٣/ ٢١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>